للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والرغبة الشديدة في الحرب أو الثأر والحزن على الموتى. ففي العصر الجاهلي تقوم طائفة المغنين والمغنيات، وفي عصر الاستقرار في المدن نجد المغنيات اللواتي كن يغنين بمرافقة الآلات الوترية، فكانت المغنية من مستلزمات الحياة في البيت مثلها مثل البيانو في كل غرفة جميلة في القرن التاسع عشر، أو مثل المذياع في كل غرفة جلوس في القرن العشرين.

ولم تكن تلك الموسيقى من هذا النوع الغريب على آذاننا اليوم والمشهور بنغمته الواحدة، فالغناء في النغمة الواحدة نشأ أولا بعد خراب بغداد على يد المغول، وظهر ربع النغمة، وهي نغمة ليست عربية أصيلة، فعلى النقيض من ذلك نجد الأنغام العربية كانت غنية متنوعة مثلها مثل الفن العربي، كما نجد العرب يستخدمون حتى القرن الثالث عشر سلم النغم الفيثافوري؛ ويرجح أن هذا السلم النغمي الفيثاغوري سلم سامي الأصل، وقد أثر هذا السلم في فارس وبيزنطة، ومن ثم انتقل إلى العرب. ولو أن هذه البضاعة المستوردة من فارس أو بيزنطة لم تعوض العرب موسيقاهم القومية بل طعمت بأصل عربي.

والصفة المميزة لهذه الموسيقى «النغم» الذي لا يشترط وجوده في كل فن من فنون الموسيقى كما قد يتبادر إلى أذهاننا. أما موسيقى الغناء القديمة فمثلها مثل الشعر القديم لا تعرف نغماً، كما أن الشعر يعتمد على العروض فقط، أعني أنه يقوم على تقاطيع طويلة وقصيرة. وأقدم موسيقى كنسبة ترجع إلى العصور الوسطى مثلاً لا تعرف زمناً للنغم أو عروضاً، وهي تعتمد عادة على وحدات من الأنغام متصلة إلا أنها وحدات نغمية غير موزعة، مثل تقسيم الجمل عن طريق الشولات وما إليها، توزيعاً منتظماً.

أما البناء الزمني للنغم فهو شرقي أصيل مع ملاحظة أن الزمن النغمي يساعد على خلق القياس الزمني الموسيقى وهو يؤدي مباشرة إلى توقيع، وقد يكون هذا هو أهم شيء موسيقى قدمه العرب لأوروبا، أعني القياس الزمني وذلك عن طريق وحدة الزمن النغمي إلى توقيع نجده في الموسيقى، وقد عرض لهذه الظاهرة وتلك الخاصية الفيلسوف العربي وصاحب النظريات الموسيقية في منتصف القرن التاسع

<<  <   >  >>