الطبيب الذي هدي أوربا إلى أن وباء الطاعون معد، فقربه الأمير إليه وبخاصة أنه أعجب بأسلوبه الجميل في رسائله إلى سائر الحكام، فعلا شأنه وازدادت شهرته واختص ملك قرطبة بخدماته، كما استطاع مرتين بقصائده الرائعة الاستحواذ على قلب ملك المغرب وعطفه فبادر مرتين إلى إنقاذ تاج هذا الملك الشاب وعرشه.
والقصيدة العصماء تحتل مكانة رفيعة في شعب يجد في الشعر ضرورة من ضرورات الحياة اليومية، وأن الحاجة إليه لا تقل عن الحاجة إلى اللغة. والشعر لدى العرب أسلوب من أساليب اللغة التي تهيمن على كل عربي حتى الفلاح في حقله والعالم في مدرسته والأميرة في خدرها. والقصيدة تتدفق من بين الشفاه في سهولة ودون تكلف ويستخدمها صياد السمك في الوادي الكبير والصانع في مصنعه. والعربي يقول الشعر في كل مناسبة. ويذكر أنه في إقليم (سيلفيز) كان فلاح يسير خلف الفدان ويرتجل الشعر، ويذكر أن أحد سكان هذا الإقليم من قبيلة بني الملاح ذهب لعمله مع ابنه الصغير يتمشى على ضفة النهر حيث تنقنق الضفادع فأخذ الوالد يدرب ابنه على قول الشعر؛ ففي الأندلس حيث يدرج الأطفال على صياغة الشعر ويسطرون المجلات بأسماء الشعراء يجعل من العسير الحكم على أشعر الشعراء، ومن هو الشاعر، بينما من السهل الإجابة على أي الملوك وأي الوزراء وأي رجال السيف والعلماء لم يكن شاعراً.
وإذا أراد الإنسان أن يتحدث عن شعب من الشعراء يجب أن يتحدث أولاً عن العرب وبخاصة عن العرب الجاهليين، وكذلك الحال عندما نتحدث عن عرب الأندلس إذ كان الشعر لديهم عبارة عن تطور لغوي. إن اللغة العربية تطورت إلى شعر وشعر من نوع خاص أو إلى فن من فنون الشعر الخاصة، فقد تحولت اللغة إلى نغم وقافية.
والخاصية المميزة التي تميز العربية وسائر أخواتها السامية عن الأسرة الهندسية الأوربية مثلاً هو مبدأ التثليث فأصول الكلمة ثلاثة صامتة تعبر عن المعنى المشترك، والحروف الصامتة هي التي تتغير فقط، وهي التي تميز بين المعاني المتكافئة والصيغ المصرفية المتنوعة.