للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحال كذلك حتى استؤنفت العلاقات التجارية بين الشرق والغرب بعد أن خفت حدة التعصب الديني، هذا التعصب الذي كان يحول دون الاتجار مع المسلمين. أما وقد عادت المياه إلى مجاريها وأخذت تجارة الشرق تتدفق على أوربا فإن صورة الحياة التجارية سرعان ما تغيرت وفتحت الحوانيت أبوابها وامتلأت بأقمشة الشرق وبهاراته وسائر خبراته وحاصلاته، كما حرص التجار على إجابة مطالب الطبقة الراقية فأحضروا كثيرا من كماليات الشرق ومقومات الأناقة والذوق الرفيع، وترتب على هذا التطور أن خطت المدن الأوربية بخطوات واسعة نحو حياة أفضل، وظهرت في أوربا ثورة اجتماعية بيضاء.

وتدين البندقية في تطورها ورقيها وثرائها إلى الاتجار مع العرب، فلولا القرفة والكمون ومختلف أنواع الصباغات بما فيها النيلة، وكذلك التوابل والبهارات، ما استطاعت البندقية أن تتزعم النهضة الاقتصادية الأوربية التي ساعدت على ازدهار الغرب وتقدمه. ولم يكن مجهود البندقية مقصورا على الاتجار فقط بل ساهمت حتى في نقل القوات الصليبية إلى الشرق فبدت في رأي الغرب وكأنها تساهم في تحرير الأراضي المقدسة.

ثم ولت أيام المستنصر وعهده الذي اتصف بالتسامح وكرم الأخلاق وحسن معاملة المسيحيين، وابتلى الله الشرق العربي بقبيلة تركية اتصفت بالقسوة والجفوة والتعصب الشعوبي، وهذه القبيلة هي التي تعرف في تاريخنا الإسلامي باسم الأتراك السلاجقة، ونجحوا في الاستيلاء على القدس وهددوا بيزنطة بالغزو فكانت هذه الأحداث إنذارًا بهجوم أوربا المسيحية على الشرق الإسلامي وسرعان ما ساءت العلاقات بين المسلمين والمسيحيين بعد أن عاش المسلمون والمسيحيون متآخين متحابين في فلسطين حتى أيام المجنون الحاكم بأمر الله. أما الآن فقد تحول البحر الأبيض المتوسط فجأة إلى معارك متصلة بين أصحاب العقيدتين، وقد دامت هذه الحروب عدة قرون.

واستتبعت حالة الحرب إصدار القرارات البابوية التي تحرم على المسيحيين

<<  <   >  >>