للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أنصارهم فقد حرصوا على ترك الطرق مفتوحة، فنجد الأوزان العربية تستخدم إلى جانب الأوزان القديمة المتأخرة زمناً طويلاً، كذلك نجد نتيجة أخرى لذلك غير موزونة وغير منغمة. ومصدر هذه الظاهرة الشعر الديني. وظلت القافية نحو نصف قرن وأطول غير مطردة، لكن حوالي القرن الحادي عشر أخذت هذه الظاهرة تنتشر بفضل العوامل القوية التي دخلت عليها ودفعتها إلى الأمام. وفي إنجيل «أوتفريد» نجد السجع مستعملاً، وقد كان ذلك حوالي عام ٨٦٠ م إذ يظهر للمرة الأولى في اللغة الشعبية وينافس غيره، لكن ظل زمناً طويلاً قبل أن يفرض نفسه.

أما التيار الثاني الذي أثر في الشعر الأوربي فقد جاء عن طريق الشعر الغنائي العربي الصحراوي. وبغتة وبدون تمهيد نجد أنفسنا حوالي القرن الخامس الميلادي أمام شعر كامل موزون مقفى، وهذه الظاهرة تدعو إلى الاستغراب حقاً فكيف نجدها في هذه الحالة عند شعب يحيا حياة البداوة والحرب، بعيداً عن مقومات الثقافة والمدنية، فإذ به يصل إلى خلق هذا الشعر الكامل ذي الجانب العظيم من الجمال، إنه شعر بلغ مرحلة من الجمال الفني لا تدانيها مرحلة، فهو شعر يعبر عن منتهى بلوغ أكبر مرحلة من مراحل الرقي الفكري.

حقا إن لغة هذا الشعر تحمس العربي لفظا ووزناً، لكن بينما نجد القافية في الشعر السرياني عبارة عن شيء فريد وحيد إذ بالعربي يستخدمها كعنصر أساسي في الشعر العربي، وكما هو الحال في الفن العربي من حيث الزخرفة كذلك القافية التي بها يتم البيت ويقفل، هذا إلى جانب الكيفية التي تستخدم بها فالشاعر العربي يكيفها بعدد لا يحصى من النغم وأبيات تسير على وتيرة واحدة وترتبط معاً برباط النغم.

وهكذا نجد هذه اللغة العربية وما تخلقه من فن شعري تسترسل فيه الصور الشعرية والمشاعر الإنسانية كالأمواج تدفع الموجة الأخرى إلى اللانهائية، وقد تبلغ القصيدة مائة بيت وتكون وحدة في الروي ووحدة في العروض مثل تلك التي قالها إمرؤ القيس في المطر، إمرؤ القيس الذي عاش قبل مجيء الرسول بنحو خمسين سنة ومنها:

ديمة هطلاء فيها وطف ... طبق الأرض يجري وندر

<<  <   >  >>