للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

السحابة لتشرب. ثم نجد الشاعر يتنقل من صورة إلى أخرى، فهو يقول إن يدي الربيع قد شيدتا أبراج زهرة الزنزلخت على سيقان عالية، وإنها لأبراج ذوات مجار فضية. وهكذا نجد العربي يخلق فناً مختلف الألوان يأخذ بالأبصار ويبدو وكأنه أغنية من أغاني الشاعر «موريكه»، ثم نجد انعكاسات شاطئ الوادي الكبير تصور وكأنها معركة تدور رحاها بين الزهور والماء.

إن الموضوعات التي يعالجها هذا الشعر تشبه النفس البشرية فجميع النغمات تعبر عن الأحزان والكآبة والشكوك التي تودي بصاحبها، كما نجد فيها البعض العنيف والحزن العميق والحب الصارخ، هذا جميعه نجده مثلاً في قصيدة شاعر مثل ابن خفاجة كما نجد شعراً أكثر مرحاً كما هو الحال مع ابن الأبار.

ويقال إن الخليفة المعتضد لما دب إليه المرض وأحس بقرب منينه استدعى مغنياً يغنيه ليجعل أول ما يبدأ به فألا، فأول ما غني قصيدة ابن الأبار هذه وفيها:

نطوى الليالي علماً أن ستطوينا ... فشعشعيها بماء المزن واسقينا

فتطير من ذلك ولم يعش بعدها سوى خمسة أيام وقد خلفه ابنه المعتمد زوج اعتماد أو رميكة كما كانت تسمى نفسها، وقد ظل جالساً على العرش رغماً من تلبد الجو بالغيوم السياسية زهاء اثنين وعشرين عاماً كانت كلها أيام سعادة وعزة، وقد أحبه العرب حبا لم يمنحوه إلا للقليلين من أمرائهم، وكان المعتمد معاصراً لكل من «هينريش الرابع» و «جريجور السابع» و «وليم الفاتح» والجراف «روجير» الأول في صقلية. وكان المعتمد كما يروى ابن خلكان أكرم وأحسن وأشجع أمير إسباني، كما كان قصره مزار المسافرين وملتقى العبقريات والكعبة التي تتجه إليها آمال القوم وأمانيهم. وكان يعيش معه في قصره طبيبه الخاص أبو العلاء بن زهر وهو الثالث من الأسرة الإشبيلية التي اشتهرت بالطب وهي تنتمي إلى قبيلة إياد، هذه القبيلة العربية القديمة، وقد اشتهر ابن زهر هذا بالطب والفلسفة واعتاد أن يكتب بطاقة وصف العلاج على جذاذات قطعها من أسطوانة سميكة أهداها إليه تاجر عراقي ولم تكن إلا قانون ابن سينا، وكانت هذه هي النسخة الأولى التي وصلت إلى الأندلس. وطبيب المعتمد كان والد الطبيب والفيلسوف الشهير ابن زهر وجد طبيب

<<  <   >  >>