للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

آخر اشتهر كذلك بالشعر فخرج هذا الحفيد ابن زهر من إشبيلية إلى قصر حاكم مراكش فحدث في أحد الأيام أن بعض أشعار هذا الطبيب الخاص بالسلطان قد وقعت في يده، وفي هذه الأبيات يشكو ابن زهر حنينه إلى ابنه فتأثر السلطان أثراً بليغاً واستدعى سراً أسرة ابن زهر من إسبانيا ورفع لابن زهر مرتبه.

وفي بلاط الأسرة العبادية بإشبيلية عاش أيضاً شاعر عظيم بل من أعظم الشعراء العرب، ألا وهو ابن زيدون حيث اتخذ من قصرهم ملجأ له، وكان له ابن وزر للمعتمد، خلفاً للصديق والوزير الأول ابن عمار أكثر الرجال نفوذاً في القصر، كما أن المعتمد استمد اسمه من اسم حبيبته اعتماد. وهكذا نجد الشاعر ابن زيدون يجعل من اسم ابنه الوليد نصباً للحب، هذا الحب الذي أضناه وأشقاه طوال حياته. وقد حمل هو أثر هذا الشقاء حيث تسمى: أبا الوليد بن زيدون.

وابن زيدون من أشهر عائلات قرطبة والسيدة التي اقترن حظه بها هي الأميرة الأموية الجميلة الشاعرة الشهيرة «ولادة» التي كانت موضع تقدير سائر رجال قرطبة. وكان يحسده ويحقد عليه وزير ابن جهور، لذلك عكر على ابن زيدون حبه وحياته من زوجه حتى انتهت بمأساة، فقد وشى هذا الحاسد بهذا الشاعر الممتاز الذي كان قد وقع عليه الاختيار والذي كان يتبوأ مركزاً ممتازاً في الإدارة والسياسة، وشى به لدى حاكم قرطبة وشاية سياسية. فوجه ابن زيدون إلى خصمه خطاباً فيه الكثير من التورية السياسية والعبارات القوية حتى جعل خصمه سخرية الجميع، كما رفع مكانته هو الأدبية، لكنه فقد عطف رئيسه فزج به في السجن. ولما لم يجد مفراً من رئيسه صاحب القوة والسلطان هرب ابن زيدون طالب الخلاص، وظل كذلك زمناً طويلاً، لكن حبه الشديد لولادة كان يضطره إلى المجازفة بحياته والاقتراب من قرطبة.

ففي خرائب قلعة الصخرة الأموية العظيمة التي هدمها البربر وخربوها، وحيث الآن ينعق البوم، كان ابن زيدون يرسل من هناك أشواقه إلى حبيبته التي أحبها كثيراً وخلد هذا الحب في كثير من قصائده. وانتهى بابن زيدون المطاف إلى قصر ملك إشبيلية حيث تمكن قبل وفاته من خدمة المعتمد عند فتح قرطبة.

<<  <   >  >>