للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد انضم إلى عقد أولئك الشعراء شعراء آخرون صقليون تركوا صقلية لما سقطت في يد النورمان ومنهم «أبو العرب» و «ابن حمديس» وكان النجم المتألق في هذا العقد الملك الشاعر المعتمد فقد جذبت شاعريته الكثيرين وتفوقت عليهم، وقد اشتهر المعتمد كذلك بالشعر الغرامي الغزلي فتغزل في «رميكة» فوصف نفسه بأنه عبد الجميلات الفاتنات، وقد أفرد كثيراً من غزلياته في وصفهن ووصف جمالهن وكان شعره كأنه قد صيغ من أحجار كريمة تضيء كالبلور والماس. وشعره يبين الروح العربية وطبيعتها الرشيقة الرقيقة، وهذا ما جعل منه شاعراً فحلاً.

ثم جاء المسيحيون طامعين في الاستيلاء على الأندلس، لذلك سارع الأمراء الأندلسيون واستدعوا يوسف الحاكم البربري لمراكش ليساهم تحت إمرة المعتمد في رد المسيحيين فنشبت معركة بين المسلمين والمسيحيين أبلى فيها المعتمد بلاءً حسناً، كما حارب حرب الأبطال المغاوير وهزم المسيحيين شر هزيمة.

ورجع يوسف إلى مراكش «وفي نفسه من أمر الجزيرة المقيم المقعد» كما يقول المراكشي، وقال لبعض ثقاته من وجوه أصحابه: «كنت أظن أني قد ملكت شيئاً، فلما رأيت تلك البلاد صغرت في عيني مملكتي، فكيف الحال في تحصيلها».

ورأى أصحابه أن يشيروا عليه برأي يجعل الاستيلاء عليها ميسوراً إلى حد كبير، وأغلب الظن أنهم كانوا مثله يطمعون في امتلاكها فسير حملة واستولى عليها. ويصف الفتح المعتمد يوم سقوط إشبيلية في يد المرابطين بقوله: «ولما انتشر الداخلون في البلد وأوهنوا القوى والجلد، ويتوقد عند انتضائه، فلقيهم في رحبة القصر، وقد ضاق بهم فضاؤها، وتضعضعت من رحبتهم أعضاؤها، فحمل فيهم حملة صيرتها فرقاً، وملأتهم فرقاً، وما زال يوالى عليهم الكر، حتى أوردهم النهر، وما بهم جواد، وأودعهم حشاه كأنهم له فؤاد، ثم انصرف وقد أيقن بانتهاب ماله، وذهاب ملكه وارتحاله، وعاد إلى قصره واستمسك به يومه وليلته مانعاً لحوزته، دافعاً للذل من عزته، وقد عزم على أفظع أمر، وقال بيدي لا بيد عمرو، ثم صرف تقاه، عما كان نواه، فنزل من القصر بالقسر، إلى قبة الأسر، فقيد للحين، وحان له يوم شر ما ظن أنه يحين، ولما قيدت قدماه، وبعدت عنه رقبة الكبة ورحماه قال يخاطبه:

<<  <   >  >>