كتابة خطاب لاتيني بينما نجد العدد العديد منهم يجيد العربية شعراً ونثراً بل أحياناً يبزون العرب.
فكيف لا يستولى الإعجاب على الإسباني الذي يشاهد ويدرك مثل هذا الرقي وهذه الثقافة وتلك الحضارة والمدنية التي تشكل حياته تشكيلاً جديداً؟ كيف يستطيع الإسباني التخلص من قوة عدوه وجبروت هذه المكانة الرفيعة التي يتمتع بها عدوه كان لزاماً على الإسباني أي يكافح جهد حياته للمحافظة على نفسه، فقد أثرت هذه البيئة وتلك الظروف مجتمعة عليه وبدون أن يشعر سواء في مظهره الخارجي أو شعوره الداخلي. ففي عصور الكفاح بين الشعبين أي بين العرب وخصومهم سيطر الإسلام على كثير من خصائص النفسية الإسبانية وكيفها تكيفاً خاصاً. ومنذ ذلك الحين أخذت الروح الإسبانية تظهر بطبيعتها الجديدة العلمية، تؤمن بحياة جديدة ومذاهب جديدة وبخاصة أنها ظلت نحو ٧٥٠ عاماً وهي في جو مسيحي إسلامي يتنافر حيناً ويتلاءم حيناً آخر.
ثم نجد «أوروجنو» وقد شاهد في القصر الأموي ما أبهره وأذهله يعود ثانية إلى بلده ويقرر أنه شخصيا قد وضع نفسه في خدمة أمير المؤمنين، ثم نجد القلاع والمدن تستبدل سيداً بسيد وحاكماً بحاكم وثقافة بثقافة، كما نجد جيوشاً مسيحية تحارب إلى جانب المسلمين ويكسبون معركة عام ١٠١٠ م لصالح الخليفة، كما قتل ثلاثة أساقفة في سبيل أمير المؤمنين. وأيام المنصور وهو من أقوى الحكام الذين عرفتهم الأندلس يقبل عدد كبير من الفرسان المسيحيين من جانب جبال البرنات وينضمون تحت ألويته، كما نجد بعض أبناء ملوك إسبانيا الذين كانوا رهائن يبدون دهشتهم من الموسيقى التي يسمعونها والرقص الذي يرونه وأغاني مغنى المنصور كما أعجبوا أيضاً بالحياة العربية في قصور الخلفاء والأمراء، كما نجد أبناء الأمراء يأتون بعاداتهم ومعلوماتهم وأغانيهم وأشعارهم إلى القلاع القائمة في شمال إسبانيا. ومنذ زمن قصير كان ابن عمار ضيفاً على الجراف «ريمونديير ينجار» الثاني حيث كانت النقود المستعملة هناك نقوداً عربية الرسم والتقليد، كما أكدت زيارته الحلف الهجومي ضد أمير «مرسية»، حيث قدم الجراف حفيده رهينة وحصل هو على رشيد الصغير ابن المعتمد.