وبعد ثلاثة عشر عاماً عاد إلى قسطيلية ومعه زوجناه وعدد من الأطفال الذين يتكلمون العربية؛ هذا إلى جانب الشعر والغناء والأدب الأندلسي، وشرع يدخل الأغاني العزلية والدينية وغيرها إلى قسطيلية وأدبها. وهناك عدد كبير من الطرق التي تسربت منها الآداب والعلوم والثقافة الأندلسية إلى شمال إسبانيا حيث عبرت البرنات فنحن نجد عربا يستخدمهم ملوك مسيحيون في تربية أبنائهم كما هو الحال مع ملك «أرجون»، وقد استعان بهم المسيحيون كأطباء وكتاب في القصور الملكية، كما نجد موظفين عرباً في برشلونة وبورجوس ولشبونة حيث يقومون بدور إدخال واستخدام التقاليد والعادات العربية الملكية. وبعد أن تم فتح الأندلس على يد المرابطين من البربر والموحدين الذين وفدوا من إفريقيا هاجر عدد كبير من المسيحيين المستعربين الذين اشتهروا باسم «موتزاراير» بالآلاف من الأندلس إلى قسطيلية و «أرجون» حيث كان ينظر إليهم القوم كمثل أعلى للحضارة والرقي والمدنية، وأخذوا يقلدونهم كما قلدوا المسلمين الذين كانوا قد وقعوا في الأسر أو المسيحيين الذين سبق أن أسرهم المسلمون. لكن إسبانيا المسيحية لم تتجه إلى الجنوب أيضاً بل نجد كثيراً من الطرق والوسائل سواء كانت دينية أو سياسية أو تجارية أو روابط النسب والقرابة تربط بين أولئك الإسبان وبين الدول الأوربية الشمالية المتاخمة لهم. فجبال البرنات ليست حدوداً فاصلة كما أنها لا تساعد على التبادل بين إسبانيا العربية وأوروبا.
وعندما هاجم ألفونس السادس عام ١٠٨٥ طليطلة اشترك عدد كبير من الفرسان الألمان والإيطاليين والفرنسين في هذا الحصار كما قاموا بكثير من أعمال السلب والنهب والتخريب الثانية المدن العربية وعادوا إلى أوطانهم ومعهم هذه الذكريات. وأول أسقف لطليطلة كان قد عينه رئيس دير «كلوني» وكان رؤساء كاتدرائية ورهبانه من الفرنسيين. كما نجد الأسقف «ريموند» يؤسس مدرسة للترجمة تحتوي على مجموعة عظيمة جداً من ثمار العقلية العربية سواء في العلوم أو الآداب، وقد ظلت هذه المدرسة مركز الثقل عدة قرون حيث كان يقصدها الطلاب والعلماء من مختلف البلاد الأوربية. وفي عام ١١٤٧ سقطت لشبونة، وكان المحاصرون من الإنجليز والأمان والفرنسيين، وإلى الألمان يرجع الفضل في