للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأخذت أوربا عن العرب عارية أخرى هامة جدًا وهي التي اتخذتها القيصرية الألمانية والملكية النمسوية المجرية والقيصرية الروسية شعارًا لها، وأعني بذلك «النسريْن». فهذه الشارة شرقية قديمة نجدها في الآثار السومارية والحيثية كما نجدها فيما بعد على النقود العربية. وفي أوائل القرن الثاني عشر الميلادي اتخذها سلاطين السلاجقة شعارًا لهم على رنوكهم، وبغتة يظهر النسران في القرن الرابع عشر في الرنك الخاص بقيصر ألمانيا.

* * *

وكان الشرق يذخر بالآيات الباهرة ثقافيًا وصناعيًا كل ما فيه يوحي لدعاة الإصلاح بإدخال الشيء الكثير إلى أوربا رغبة في الأخذ بيدها وتقدمها. ففي القرن الثاني عشر مثلًا عاد نفر من الحجاج المسيحيين من زيارة قاموا بها لقبر الرسول «يعقوب» في «سنتياجو ده كومبستيلا» في أقصى شمال غربي أسبانيا. عاد هؤلاء الحجاج ومعهم أول ورقة إلى أوربا جاءوا بها من الأندلس العربية، وذكر أولئك الحجاج أن العرب يستخدمون الورق للكتابة الجميلة وتدوين الكتب المقدسة ويدرس هناك كل كاتب الخط الجميل فهو الخط الوحيد الذي يستخدم للكتابة على الورق الجيد هذا الورق الذي كان يوجد بكثرة بحيث يسمح لاستخدامه في الأغراض التجارية كلف البضائع مثلًا.

وحدث في ذلك الوقت أن غزت أوربا توابل ممتازة وروائح عطرية قوية وثياب أنيقة من القطيفة والحرير، وسرعان ما غمرت هذه البضائع أسواق الغرب وقلوب الغربيين؛ لأن مثلها قوي الرغبة في حياة الأبهة والترف ودفعها إلى الأمام بخطوات واسعة سبقت الإقبال على العلم والحرص على تحصيله. ولعل السر في هذا الانصراف عن الاهتمام بالعلم ندرة وسائل الكتابة منذ وقف الاتجار من قبل مع العرب. ففي عصر المارونجيين كان الكتبة في المحال التجارية والخبراء والأديرة يستخدمون ورق البردي. ففي مرسيليا كانت تفرغ السفن بدون انقطاع شحناتها من ورق البردي المصري، إلا أن تحريم الاتجار مع الشرق استنفذ جميع هذه الكميات فاضطر الناس إلى الاقتصاد في استخدام ما تحت أيديهم، وكثيرًا ما كانوا يمحون ما

<<  <   >  >>