للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

العربية ولو أن شهرته أخذت تتوارى تدريجيًا مدة تبلغ نحو ثمانية قرون؛ وذلك بسبب كتابة «الهندسة المنسوب إلى بوتيوس» وكان مثار إشكالات عديدة حتى إنه لو صدر اليوم لكان موضوع قضية أمام المحاكم، ومن حسن حظ أن «ألكسندر فون هومبولدت» هو العالم الذي يرجع إليه الفضل في تقدير هذا الكتاب من الناحية العلمية. وينسب للمؤلف «بوتيوس» كتاب في الحساب مقتبس من كتاب «نيكوماخوس»، وقد كان كتاب «بوتيوس» في الحساب هو السبب في الغض من منزلة «جربرت» وفضله العلمي في إدخال الإشارات التسع الدالة على الأعداد الهندية بينما يعتقد العلماء أن «بوتيوس» في كتابه قد استخدم نفس الإشارات؛ مما يفيد أن أوربا عرفت هذه الإشارات إبان حياة «بوتيوس»، أعني في القرن الخامس الميلادي إبان حكم «ثيودريش» لإيطاليا، والنتيجة الثانية لانتشار هذا الرأي الخاطئ أن أوربا المسيحية عرفت الأعداد الهندية قبل العرب بزمن بعيد ثم حدث أن نسيتها أوربا حتى أعادها العرب إلى الأوربيين في القرن الحادي عشر. والواقع أن هذا الرأي الثوري القائل بأن «بوتيوس» كان محيطًا بالأعداد الهندية قد فسرها «هومبولدت» في «كوزموس ج ٢ ص ٢٦٣» تفسيرًا آخر وهو احتمال ظهور نظام الأعداد الهندية في موضعين في العالم، وفي كل موضع مستقل عن الآخر، أعني ظهر في الشرق وفي الغرب. لكن جميع هذه الاحتمالات قد ذهبت أدراج الرياح فالكتاب المعروف باسم هندسة بوتيوس ثبت أنه مزور وليس صحيحًا، إذ إنه يرجع في الواقع إلى القرن الحادي عشر الميلادي وليس إلى الخامس وكان يظهر كما لو أنه من تأليف عالم روماني، وأن المؤلف أغفل ذكر مراجعه، وأن هذه المراجع ترجع إلى عصر متفاوتة في القدم، ومن بينها مؤلفات «جربرت»، وعنه أخذ قواعد القسمة ومعلومات أخرى عن الأعداد العربية.

وتتصل معرفة العرب بالأعداد وكتابتها اتصالا وثيقا بثلاثة أسماء: «سيفيروس سابوخت» و «براهما جوبتا» والخوارزمي وقد ارتبطت بهذه الأسماء الثلاثة من أوربا، وإنها لظاهرة عجيبة حقا أن نلحظ أن الأعداد الهندية في طريقها إلى غزو العالم اعتمدت على ثلاث محطات في العالم العربي، ونفس الظاهرة وقعت أيضًا في أوربا فحتى في هذه الظاهرة قلدت أوربا العرب.

<<  <   >  >>