وقد لازم حب الأعداد والحساب «ليوناردو» حتى صار تاجرًا وأسند إليه والده بعض الأعمال التجارية، وكان لا يخفى شغفه بالحساب حتى في أسفاره إلى مصر وسوريا واليونان وصقلية وأسبانيا وصور وكورنسه وكويتا وتونس بل حتى في مكاتب المحاسبة، إذ رأى زملاءه التجار يعدون على الأصابع. وانتهز «ليوناردو» فرصة وجوده في الشرق العربي وزار دور الكتب في دمشق والإسكندرية كما تناقش مع علماء القصر في القاهرة. وعنى بالتجارة كعلم من العلوم فدرس كل شيء يخدمها ويفيدها سواء كانت تلك المعلومات في المخطوطات أو متداولة بين المتعلمين وبخاصة المتضلعين في العلوم الرياضية ومقارنتها، ولم تفته المقابلة بين العلوم الرياضية كما عرفها الهنود واليونان والعرب.
وإذا تركنا الشرق إلى الغرب، والعرب إلى اللاتين وجدنا جهلا تامًا بالأعداد الهندية وطرق الحساب العربية حتى أتاح الله لأوربا «ليوناردو» فوضع وهو لم يتجاوز الثالثة والعشرين من عمره كتابًا باللغة اللاتينية حول الطريقة الحسابية التي تعرف باسم «أباكي»، وقد كان هذا الكتاب سببًا في شهرة مؤلفه وقد أدهش كثيرين من المعاصرين مثل «موريس كنتور»، إذ قدر الجهد القيم الذي بذله المؤلف في وضعه؛ مما اضطر «موريس» إلى التعليق عليه بقوله: نعرف عددًا كبيرًا من الرياضيين السابقين والذين ألفوا في لغات مختلفة، لكن أحدًا منهم لن يجاري «ليوناردو». قليلون أولئك الذين قد نعجب بهم، لكن وضع كتاب مثل هذا في القرن الثالث عشر ووجود من يقدرونه حق قدره في القصر القيصري مما يثير الإعجاب حقًا.
ولا عجب في أن يستولي هذا الكتاب على لب القيصر الأشتوفي، فقد كان خير الكتب التي ظهرت في ذلك العصر، وقد أعجب به فريدريش الثاني وهو الضليع في الرياضيات العربية وعلوم العرب الطبيعية، ولم تكد تظهر الطبعة الثانية من الكتاب عام ١٢٢٨ حتى أهداها المؤلف إلى فيلسوف القصر «ميخائيل سكونوس» الذي كان متضلعًا أيضًا في العلوم العربية فقويت الصلات بين «ليوناردو» والقيصر، وكثيرًا ما كان يحل ضيفًا عليه وتدور بينه وبين فريدريش الثاني أحاديث علمية كثيرًا ما نالت رضاء القيصر وإعجابه.