شماسية حيث كانت ترصد الكواكب وتراقب حركاتها مراقبة علمية دقيقة، ووضع المأمون هذا المرصد تحت رئاسة وإشراف يحيى، وكانت تستخدم فيه مقاييس في غاية الدقة تقابلها أخرى مثلها في مرصد جنديسابور. وإمعانًا في الدقة كانت تراجع العمليات الحسابية كل ثلاثة أعوام في مرصد جبل قسيوم بالقرب من دمشق حيث كان يعمل فلكيوه معًا في وضع الجداول المسماة جداول المراجعة أو الجداول الميمونة، وهذه في الواقع عبارة عن مراجعة جديدة دقيقة لجداول بطليموس الفلكية.
لم يكد محمد بن موسى ينتهي من دراسته على يحيى حتى أمر الخليفة أن يساهم هذا العالم الشاب في قياس حجم الكرة الأرضية فسافر مع جماعة من الفلكيين إلى «سنجار» الواقعة غرب الموصل، ومما هو جدير بالكر هنا أن «أوتو ستينيس» كان قد قام بأول قياس للأرض بمساعدة الزوايا الضوئية للشمس. أما فلكيو المأمون فقد حاولوا قياس الأرض بوسيلة أخرى فمن نقطة خاصة انتقل جماعة من الفلكيين نحو الشمال وانتقلت جماعة أخرى نحو الجنوب وظلت متجهة حتى بلغت مكان الجدي الصغير، النجم القطبي، فالجماعة التي اتجهت شمالا تشاهد الصعود بينما الجماعة الأخرى التي اتجهت جنوبًا تشاهد الهبوط. فالمسافة بين الجماعتين عبارة عن درجة من دائرة نصف النهار، وقد تمت هذه العملية بدقة تستدعي الإعجاب حقًا.
لكن لا يمضي زمن طويل حتى نجد محمدًا وأخويه يقومون بعملية حسابية عجيبة تخلد أسماءهم؛ فحسابهم لا يبين فقط النتيجة التي توصل إليها بطليموس بل تتفق أيضًا والنتيجة التي قام بها في الظل فلكي القصر المعروف باسم «موروزي»«وجدت»، هكذا صرح بعد مائة وخمسين عامًا مواطن لا يقل مكانة عن البيروني: إن الإنسان يجب عليه أن يعتمد على حساب وملاحظات بني موسى، وعلى الإنسان كذلك أن يرعاها فقد حشد بنو موسى كل قواهم العقلية في سبيل الوصول إلى الحقيقة. لقد كان أبناء موسى وحيدي عصرهم في إتقان الوسائل الفلكية والكياسة في استخدامها وتطبيقها. وقد شهد لأبناء موسى علماء آخرون شاهدوا