للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بعيونهم دقة هؤلاء في كل ما قاموا به. وحدث أن افترق أبناء موسى عن الشيخ يحيى وتركوا مرصده؛ لأن محمدًا كان رجلًا يؤثر الاستقلال وحرية العمل وبخاصة فقد أصبح في شيء من اليسر والثراء، وذلك بفضل تعاون الإخوة ورغبتهم الصادقة في الكسب والعمل، ونجحوا في إقامة مرصد خاص لهم على قنطرة نهر عند دجلة عند «باب التاج». وهنا نجد محمدًا يكرس حياته للرصد والحساب وقد اتصف في عمله هذا بالصبر والجلد. هكذا شهد له معاصروه فقد ألف كتبًا فلكية تعالج الاتجاهات العمودية على البعد القطبي. وكانت هي الأولى من نوعها في الفلك كما اشترك مع أخويه في وضع كتاب في المساحات الكروية، وقد ترجمه إلى اللاتينية «جرهرد فون كريمونا»، وقد عرف هذا الكتاب في العصور الوسطى في أوربا باسم كتاب الإخوة الثلاثة في الهندسة.

لكن محمدًا لم يكن فلكيًا بارعًا ورياضيًا عظيمًا فحسب بل أبدى مقدرة فائقة في الفلسفة وبخاصة المنطق أيضًا، فوضع كتابًا حول أصول العالم وعناصره كما عنى بعلم الأرصاد ودوَّن ملاحظات حول الأجواء واهتم بالتركيبات الخاصة بالأجهزة والآلات، وهذه هي الناحية التي كان يهواها ويولع بها أخوه أحمد الذي أضاف الشيء الكثير على ما جاءنا الكثير على ما جاءنا عن العالم القديم خاصًا بالميزان السريع.

وكان أحمد هو الفنان البارع والصانع الماهر وقد اشتهر بعبقريته في هذا المضمار فكان من بين أفراد العائلة الوحيد المشهود له بحسن تركيب الآلات وفكها، لقد توافرت له، كما يذكر مرجع عربي في هذه الصناعة، أشياء لم تتوافر لأخيه محمد أو لأحد من السابقين مثل هارون وغيره من الذين كانوا يهتمون بتركيب الآلات وتنظيمها وبخاصة الآلية منها، وقد وضع في ذلك كتابًا شاملًا حير الموهوبين فنيًا من العرب. وامتاز أحمد أيضًا بملكته الخالقة فقد اخترع أشياء كثيرة تدعو إلى الدهشة فقد ثابر في بناء الآلات الدقيقة المعقدة التركيب والتي هي ذات فائدة قصوى للمجتمع ولو قدر لفرد أن يحصل عليها اليوم لأعجب بها وحرص على امتلاكها، فقد عاون ربة البيت في القيام بعملها كما ساعد الفلاح على فلاحة أرضه

<<  <   >  >>