فأبو الفتح ابن جنى يذكر أن من عادة العرب أن تشبه أعجاز النساء بكثبان الأنقاء فقد شبه الشاعر ليلى بالقضيب، وعجيزتها بالكثيب، في قوله:(ليلى قضيب تحته كثيب)، وشبه ذو الرمة المرأة بالقضيب وعجيزتها بالنقا في قوله:(ترى خلفها نصفا قناة قويمة ونصفاً نقاً) وشبه الآخر المرأة بقضيب اليان وعجيزتها بالدعصتين - قطعتين من الرمل - في قوله:(إن قمت فالأعلى قضيب بأن وإن توليت قد عصتان) وشبه امرؤ القيس عجيزة المرأة بدعص النقا وأحسن الصنعة أبو تمام، فاستعار القضب لقدود النساء واستعار الكتب لأعجازهن!
وزاد قول البحتري عذوبة، وظرفاً، ودمائه، إذا ستعار الغزال للمرأة ثم جعل الغزال يستعير هو الآخر من النقا كفلا! ، ويستعير من نور الأقاحي مبسماً!
ولكن ذا الرمة قلب تلك العادة، وذلك العرف وعكس التشبيه، فشبه كتبان الأنقاء بأعجاز النساء، وذلك من باب المبالغة، فكأن هذا المعنى قد ثبت لأعجاز النساء، فصار أصلاً تشبه به كثبان الأنقاء.
وقد تطور هذا الأمر الذي ابتدعه ذو الرمة - وهو عكس التشبيه، بجعل المشبه به وجعل المشبه به مشبهاً - حتى رأينا البحتري يزيد على هذا العكس، فلم يكتف بجعل الفرع أصلاً، والأصل فرعاً في التشبيه، بل جعل الأصل لا يشبه الفرع إلا في شيء قليل منه! !
ففي طلعة البدر شيء من ملاجة محبوبته، وللقضيب شيء قليل من تثنيها! !
وقد أربى على الجميع أبو الطيب المتنبي، فجعل كونهم جنا، أصلاً، وكونهم ناساً فرعاً، وأن ذلك أمر مفروغ منه مسلم له، ثم جعل كون مطاياه طيراً أصلاً، وكونها جمالاً فرعاً، وأن ذلك - أيضاً - أمر