للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى الرغم من هذا، فإنك تجد ابن الأثير، بعد أن ذكر قول بعضهم:

فقدو الشك بين لي عناء ... بوشك فراقهم صرد يصيح

وقول الآخر:

فأصبحت بعد خط بهجتها ... كأن قفراً رسومها قلماً

وعلق عليهما بما فهمه من قول ابن جنى، يقول:

ومما يجري هذا المجرى قول الفرزدق.

إلى ملك ما أمه من محارب ... أبوه، ولا كانت كليب تصاهره

وهو يريد: إلى ملك أبوه ما أمه من محارب، وهذا أقبح من الأول وأكثر اختلالاً" (١)

فأبو الفتح بن جنى - وهو حجة في النحو - يقول: "إن البيت مستقيم لا خبط فيه، وابن الأثير يقول: إنه أقبح من الأول وأكثر اختلالاً"! !

ولا ريب أن هذه مبالغة ليست في محلها؛ فلئن سلمنا بأن في البيت تقديماً لخبر الأب عليه وهو جملة - على حد تعبيراً ابن جنى - فإننا لا نسلم بأن ما فيه يبلغ ما بلغه البيت الأول من الاضطراب والقبح! إذ يكفي أن معناه واضح مع التقديم المذكور بينما المعنى في البيت الأول لا يظهر إلا بعد عناء شديد من التقدير والتأويل! !

ولئن كان ابن الأثير قد سمى هذا النوع من الكلام "معاظلة" وسماها غيره تعقيداً لفظياً فإن المطلوب في النهاية أمر واحد، وهو خلو الكلام من هذا التعقيد، حتى يتسم بالفصاحة، لأن المقصود من الكلام هنا - كما يقول ابن الأثير - معدوم، وهو الإيضاح، والإبانة، وإفهام المعنى، فإذا ذهب هذا الوصف المقصود من الكلام ذهب المراد به.


(١) المثل السائر ٢/ ٢٢١

<<  <   >  >>