للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ألفة الأصحاب، وأنسه الأحباب، وكما يليق بحال من وفق لقضاء العبادة الشريفة، ورجأ حسن الإياب، وتنسم روائح الأحبة والأوطان، واستماع التهاني، والتحايا من الخلان والإخوان، ثم زان ذلك كله باستعارة لطيفة طبق فيها مفصل التشبيه، وأفاد كثيراص من الفوائد بلطف الوحي والتنبيه فصرح أولاً بما أومأ إليه، في الأخذ بأطراف الأحاديث، من أنهم تنازعوا أحاديثهم على ظهور الرواحل، وفي حال التوجه إلى المنازل، وأخبر بعد بسرعة السير، ووطأة الظهر، إذ جعل سلاسة سيرها بهم كالماء، تسيل به الأباطح، وكان في ذلك ما يؤكد ما قبله، لأن الظهور إذا كانت وطيئة، وكان سيرها السير السهل السريع، زاد ذلك في نشاط الركبان، ومع ازدياد النشاط، يزداد الحديث طيباً ثم قال: "بأعناق المطى" ولم يقل بالمطى، لأن السرعة والبطء يظهران غالباً في أعناقها" (١).

وهكذا تجد من شرح الإمام عبد القاهر لتلك الأبيات أنه لم يجعل غرض الشاعر مركزاً على التعريض بمتطلبات قلبه - كما جعله ابن جنى-، ففسر حاجات الشاعر في قوله: (ولما قضينا من منى كل حاجة) بأنها: قضاء المناسك بأجمعها، والخروج من فروضها وسننها.

بينما فسرها ابن جنى بأنها تعريض بالتلافي، والتشاكي، والتخلي أي: طلب الخلوة بالحبيب.

وأما "أطراف الأحاديث"، فقد فسرها بواحد من أمرين:

أولهما: الدلالة على الصفة التي يختص بها ارفاق، في السفر من التصرف في فنون القول وشجون الحديث.


(١) أسرار البلاغة ٢٩.

<<  <   >  >>