للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولهذا نظائرُ النصارى سموا في الأخير أنفسَهم مسيحيين؛ ليضْفُوا على مِلَّتِهم المنسوخةِ أنها شرعيةٌ، وأنهم أتباعُ المسيحِ والمسيحُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أبرأُ الناسِ منهم، ولو خرج لقاتَلَهم، وهم كاذبون على المسيحِ فيما يدَّعون، لكن سَمُّوا أنفسَهم بالمسيحيين يُضْفُون على أنفسِهم الشرعيَّةِ.

ونظيرُ ذلك أيضًا: الرافضةُ يرفضون اسمَ الرافضةِ ويغضبون عليك فسمُّوا أنفسَهم شيعةً، وأحقُّ أن يكونَ شيعيًّا أهلُ السنَّةِ؛ لأنَّهم هم الذين يحبون آلَ البيتِ محبَّةً سُنِّيَّةً شرعيَّةً، أما هؤلاء الرافضةُ فإنهم يحبون آلَ البيتِ محبَّةً شِرْكِيَّةً، أهلُ البيتِ يتبرؤون منهم بلا شكٍّ؛ ولهذا لما قال عبدُ اللهِ بنُ سبأٍ وجماعتُهُ لعليِّ بنِ أبي طالبٍ: "أنت اللهُ حقًّا"، تبرأ منه، وأمرَ بالأخاديدِ فخُدَّت ومُلِئَتْ حطبًا وألقاهم في النارِ (١) حرَقَهم من شدةِ ما أصابه منهم، إذن هل يُقالُ لهؤلاء الذين غالوا في آلِ البيتِ حتى أنزلوهم فوق منزلتِهم، هل يُقالُ: إنهم شيعةٌ لآلِ البيتِ؟ أبدًا واللهِ، هم أعدى عدوٍّ لآلِ البيتِ؛ لأنَّهم أنزلوهم فوق منزلتِهم، وقد قال النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "ما أحبُّ أن تُنْزِلُوني فوق منزلتي التي أَنْزَلَني اللهُ" (٢)، وآلُ البيتِ مثلُ النبيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لا يحبون أن يُنْزَلُوا فوق منزلتهم التي أنزلهم اللهُ أبدًا.

فالضابط: أن دلَّ عَلَيْهِ الدليلُ فهو تأويلٌ، وإن لم يدلَّ عَلَيْهِ الدليلُ فهو تحريفٌ.

فإذا لَبِسْتَ ثوبَك، فقلتَ: أكلتُ خبزةً، تعني لَبِسْتَ ثوبك! هل له وجهٌ؟ فإذا كان التأويلُ ليس له وجهٌ، لا لغةً ولا شرعًا؛ فهو كُفرٌ؛ لأنَّه تكذيبٌ، ولهذا


(١) أخرجه ابن الأعرابي في معجمه رقم (٦٧، ١٥٥٣)، والآجري في الشريعة (٥/ ٢٥٢٠ - ٢٥٢١)، ويشهد له ما أخرجه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب لا يعذب بعذاب الله، رقم (٣٠١٧).
(٢) أخرجه الإمام أحمد (٣/ ١٥٣)، من حديث أنس - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>