للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نقولُ: جَحْدُ الصفاتِ نوعان: إما تأويلًا، وإما تكذيبًا. إن كان تكذيبًا، فلا شكَّ أنه كُفْرٌ، لو قال قائلٌ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥]: إنه لم يستوِ على العرْشِ. فكَذبٌ، فنقولُ: كُفْرٌ؛ لأنَّه مُكَذَّبٌ لو قال نعم: استوى على العرش لكن معناه استولى، قلنا: هذا تأويلٌ، ينظرُ إن كان للتأويلِ مساغٌ، إن دلَّ عَلَيْهِ دليلٌ أخذْنَا به، وإن لم يدلَّ عَلَيْهِ دليلٌ رَدَدْناه، لكن إن كان له مساغٌ لم يَكْفُرْ، وإن لم يَكُنْ له مساغٌ فإنه يَكْفُرُ.

فمثلًا: الَّذي أوحاه اللهُ إلى الرَّسولِ هو القرآنُ، إذن لم نُؤَوِّلُ، فهذا هو الَّذي أُوحِيَ إلى الرَّسولِ وسمَّاه اللهُ رُوحًا؛ لأنَّه تحيا به القلوبُ، واعلمْ أنَّنا نحن لا نُنْكِرُ التَّأويلَ فقد نُؤَوِّلُ، لكن إذ دلَّ الدَّليلُ على التَّأويلِ فلا بَأْسَ، فنقولُ في قولِهِ تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النَّحْلِ: ٩٨] نقولُ: إذا أَرَدْتَ أن تَقْرَأَ. وظاهِرُ الآية: إذا فَرَغْتَ من القراءةِ فاسْتَعِذْ، والسُّنَّةُ بَيَّنَتْ هذا، فنحن لا نُنْكِرُ التَّأويلَ؛ لأنَّ التَّأويلَ الَّذي دلَّ عَلَيْهِ اللفظُ تفسيرٌ، إنَّما نُنْكِرُ التَّأويلَ الَّذي هو التَّحْريفُ، وهو التَّأويلُ بدونِ دليلٍ.

وقولُهُ تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} نرى في بعضِ الكتبِ: إن اللهَ لا شبيهَ له. فهل هذا التعبيرُ يماثلُ قولَنا: إن اللهَ لا مثيلَ له؟ لا؛ ولهذا التعبيرُ بقولِنا: نؤمنُ بإثباتِ ذلك بلا تمثيلٍ خيرٌ من التعبيرِ بقولِنا: نُثْبِتُ ذلك بلا تشبيهٍ، مع أننا نرى أكثرَ الكُتُبِ التي بأيدينا أنهم يقولون: بلا تشبيهٍ، لكن هذا نَقْصٌ، التعبيرُ بلا تمثيلٍ أَوْلَى:

أولًا: لأنه تعبيرُ القرآنِ، وكلما أَمْكَنَك أن تُعَبِّرَ بالقرآنِ أو السُّنَّةِ عن المعاني التي تريدُ فهو أَوْلَى.

<<  <   >  >>