للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثانيًا: أن التشبيهَ عند قومٍ يَعْنُون به إثباتَ الصفاتِ، ويقولون: كلُّ من أَثْبَتَ للهِ صفةً فهو مُشَبِّهٌ، فإذا قلتَ: بلا تشبيهٍ، وكان هذا المخاطَبُ لا يَفْهَمُ من التشبيهِ إلا الإثباتَ، فَهِمَ منك أنك لا تُثْبِتُ شيئًا، ثم إن التشبيهَ أيضًا له احتمالاتٌ، إن نَفَيْتَ التشبيهَ من كلِّ وجهٍ فهذا لا يُمْكِنُ؛ لأنَّه لا بُدَّ أن يشتركَ الخالقُ والمخلوقُ في أصلِ الصفةِ، فالحياةُ مثلًا عندنا حياةٌ، واللهُ تعالى حيٌّ، أصلُ الحياةِ موجودٌ، لكن المنفيَّ هو أن تكونَ حياتُنا مماثلةً لحياةِ اللهِ، السمعُ موجودٌ فينا وموجودٌ عند اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فإن اللهَ تعالى سميعٌ، فلا بدَّ من اشتراكٍ في الأصلِ، وُجُودُنا: نحن موجودون والرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ كذلك واجبُ الوُجُودِ، وهلمَّ جرًّا، فصار التعبيرُ بنفيِ التمثيلِ أَوْلى من التعبيرِ بنفيِ التَّشْبِيهِ.

ونقُولَ لهؤلاء القوم قُولوا: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمرانَ: ٨] فالقلبُ إذا زاغ - والعياذُ باللهِ - انقلب الحقُّ عنده باطلًا، وانقلب الباطلُ حقًّا، وإلا فكيف نقولُ: يقصدُ التمثيلَ؟ فأنت لو أَخْبَرْتَنِي أنك رأيتَ الفيلَ، هل أَتَصَوَّرُ أن الفيلَ مثلُ الإنسانِ؟ لا أَتَصَوَّرُ هذا، إن كنتُ قد رأيتُ الفيلَ عَرَفْتُ الفَرْقَ، وإن لم أَكُنْ رأيْتُه، فأنا أَعْلَمُ بأن بينهما فَرْقًا؛ لأنَّه لو لم يَكُنْ فَرْقٌ لكان الفيلُ آدميًّا، ولا تَسْتَغْرِبُ الإنسانُ - والعياذُ باللهِ - إذا طَمَسَ اللهُ على قَلْبِهِ رأى الباطلَ حقًّا، والحقَّ باطلًا.

والآنَ ما أَعْظَمَ كلامَ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ وقد قال اللهُ تعالى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [المطفِّفين: ١٣] حِكاياتٌ لا يُتَصَوَّرُ لها معنًى يُوجِبُ الإيمانَ، قال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {كَلَّا} يعني ليست أساطيرَ الأوَّلِينِ {بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطفِّفين: ١٤].

<<  <   >  >>