نَدَعُ الإستفادةَ من هذه الكُتُبِ العظيمةِ والخطأُ فيها لا يُمَثِّلُ ولا عُشْرَ عُشْرِ المِعشارِ، قال ابنُ رجبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ في كتابِهِ (القواعدُ الفقهيَّةُ)(١): "ويأبى اللهُ العِصْمةَ لكتابٍ غير كتابِهِ، والمُنْصِفُ من اغتفر قليلَ خطأِ المرءِ في كثيرِ صوابِه". صحيحٌ هذا الإنصافُ، ولا تكادُ تَجِدُ مؤلفًا إلَّا وفيه الخطأُ إمَّا متعمَّدًا أو غيرَ مُتَعَمَّدٍ {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}[النَّساءِ: ٨٢].
ثم قال تعالى:{وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} هذا ردٌّ على المُعَطِّلَةِ، والجملةُ الأولى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} على المُمَثِّلَةِ, السميعُ أي: ذو السمعِ, وسَمْعُ الله عَزَّ وَجَلَّ له معنيان:
المعنى الأوَّلُ: الإستجابةُ؛ كقولِهِ تعالى:{إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ}[إبراهيمَ: ٣٩]، معنى سميعٌ: أي: مستجيبٌ، وليس المرادُ أنه يَسْمَعَه فقط؛ لأنَّ مُجَرَّدَ كَوْنِهِ يَسْمَعُه ولا يستجيبُ قليلُ الفائدةِ، لكنَّ {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} أي: مستجيبُهُ واستجابتُهُ إياه تستلزمُ سَمَاعَه لا شَكَّ.
ومن ذلك أيضًا - أي: من كونِ السماعِ بمعنى الإستجابةِ - قولُ المصلِّي: سَمِعَ اللهُ لمن حَمِدَه، ومعنى سَمِعَ أنه استجابَ له؛ لأَنَّهُ كما قُلْتُ لكم: مجرَّدُ سماعِ الصوتِ لا يفيدُ شيئًا بالنسبةِ للداعي؛ ولهذا لو قال لك إنسانٌ: يا فلانُ أرجو أن تساعدَني تقولُ: أسمعُ يعني أسمعُ بأذني، فلا يستفيدُ من هذا؛ لأَنَّه سيقولُ لك: إذا كنتَ تَسْمَعُ فأعطِنِي، فصار كلُّ ما أضيفَ للدعاءِ من السمعِ معناه الإستجابةُ.
النوعُ الثاني من السمعِ: إدراكُ المسموعاتِ: بمعنى أنه لا يخفى على اللهِ أيُّ صوتٍ، قَرُبَ أم بَعُدَ خَفِيَ أم بانَ، فإن اللهَ يسمعُ كلَّ شيءٍ، أرأيتُم قولَهُ تعالى: