للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

محيطٌ بكلِّ شيءٍ سمعًا، وكما في قصةِ المجادِلَةِ فإن اللهَ تعالى أَخْبَرَ بذلك؛ لِيُعْلِمَنَا أنه محيطٌ بها.

وقولُهُ تعالى: {الْبَصِيرُ} له معنيان: المعنى الأوَّلُ: إدراكُ الشيءِ بالبصرِ، والثاني: العِلْمُ.

فهنا البصيرُ تَشْمَلُ المعنَيَيْن، فَبَصَرُ اللهِ تعالى محيطٌ بكلِّ شيءٍ لا يخفى عَلَيْهِ، والدليلُ على أنَّ البصيرَ تَتَضَمَّنُ البصرَ قولُهُ في الحديثِ الصحيح: "حِجَابُهُ النورُ لو كَشَفَه لأحرقتْ سُبُحَاتُ وَجْهِه ما انتهى إليه بَصَرُهُ من خَلْقِهِ" (١). يعني لأَحْرَقَتْ كلَّ شيءٍ؛ لأنَّ بَصَرَ اللهِ ينتهي إلى كلِّ شيءٍ، فالمعنى لأحرقتْ هذه السُّبُحَاتُ - والسُّبُحَاتُ هي البهاءُ والعظمةُ - كلَّ شيءٍ، لا إلهَ إلا اللهُ، بصيرٌ بمعنى عليمٌ، مِثْلَ قولِهِ تعالى: {بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحُجُراتِ: ١٨]، ومعلومٌ أننا نَعْمَلُ أشياءَ لا تُرى، في قلوبِنَا أشياءُ لا تُرى واللهُ يَعْلَمُها.

فإذن البصيرُ من أسماءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أي: ذو البصرِ، وله معنيان:

الأول: بصيرٌ بمعنى إدراكُ المَرْئِيَّاتِ لِبَصَرِه.

والثاني: بمعنى العليمِ.

فإذا سَمِعْت أسماءَ اللهِ وصفاتِهِ فليس المقصودُ أن نَعْلَمَ المعنى فقط، بل أن نَتَعَبَّدَ للهِ بها، فإذا عَلِمْنَا أنه سميعٌ أَوْجَبَ لنا أن نخافَ من قولٍ يُغضبُ اللهَ؛ لأنَّ اللهَ يسمعُ، إذا عَلِمْنَا أنه بصيرٌ أَوْجَبَ لنا أن نَحْذَرَ من كلِّ فعلٍ يُغْضِبُ اللهَ؛ لأنَّ اللهَ تعالى يُبْصِرُهُ ويَرَاه.


(١) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله لا ينام"، رقم (١٧٩)، من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>