للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ففي هذه الأسماءِ - التي يُخْبِرُنَا اللهُ بها - تربيةٌ للإنسانِ أن يَحْذَرَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ من أن يخالفَه بقولٍ أو فِعْلٍ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١]، ولَعَلَّنا أَشْبَعْنَا إن شاءَ اللهُ الكلامَ في هذا، وأهمُّ شيءٍ أن تَبْنِيَ عقيدَتَك على أَمْرَيْنِ: إثباتِ ما أَثْبَتَهُ اللهُ لنفْسِه في القرآنِ أو السُّنَّةِ، والثاني: نَفْيُ المماثَلَةِ، أنه لا مثيلَ له.

بَقِيَ شيءٌ آخرُ هل علينا أن نُكَيِّفَ الصفةَ بدونِ أن نَذْكُرَ مماثلًا؟

الجوابُ: لا يَجُوزُ أن نُكَيِّفَ الصفةَ؛ لأنَّ اللهَ تعالى قال: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراءِ: ٣٦]، وقال عَزَّ وَجلَّ: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: ٣٣]، هل أنت عَلِمْتَ كيفيَّةَ صفاتِ اللهِ عَزَّ وَجلَّ؟

الجواب: لا، أنا أؤمنُ بأنه يَنْزِلُ، لكن لا أدري كيف يَنْزِلُ، أؤمنُ بأنه استوى على العرشِ، ولكن لا أدري كيف استوى، فالكيفيَّةُ لا يجوزُ للإنسانِ أن يتخيَّلَها، ولا يجوزُ أن ينطقَ بها؛ لأنَّ اللهَ تعالى أعظمُ من كلِّ تَخَيُّلٍ تتخيَّلُه؛ ولأنك لو تَخَيَّلْتَ فإنك سوف تعبُدُ صنمًا؛ لأنَّ هذا المتخيَّلُ لا بُدَّ أن يكونَ عندك تَصَوُّرٌ أنك تَعْبُدُ هذا الذي تَخَيَّلْتَهُ، فتكونُ من جنسِ المُمَثِّلِين. وفي مُقَدِّمَةِ النونيَّةِ لابْنِ القَيِّمِ قال: "المُعَطِّلُ يَعْبُدُ عدمًا، والمُمَثِّلُ يَعْبُدُ صنمًا" (١).

إذن: لا تَتَخَيَّلِ الْكَيفيَّةَ؛ ولهذا جاء في الأثرِ: "تَفَكَّرُوا في آياتِ اللهِ، ولا تُفَكِّرُوا في ذاتِ اللهِ" (٢)، الآياتُ تُفَكِّرُ فيها؛ السماءُ، الأرضُ، النجومُ، البَشَرُ، المخلوقاتُ


(١) النونية (١/ ١٢) ط. عالم الفوائد، وانظر: الصواعق المرسلة (١/ ١٤٨).
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (٧/ ٢٢١٩)، وأبو الشيخ في العظمة رقم (١)، والطبراني في الأوسط رقم (٦٣١٩)، واللالكائي في اعتقاد أهل السنة رقم (٩٢٧)، والبيهقي في شعب الإيمان رقم (١١٩)، من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.

<<  <   >  >>