للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأخرى، تُفَكِّرُ فيها بِقَدْرِ ما تستطيعُ؛ لِتَسْتَدِلَّ بها على الخالِقِ عَزَّ وَجَلَّ، لكن في ذاتِ اللهِ لا تَتَفَكَّرْ.

فإن قال قائلٌ: هل لنا أن نَتَفَكَّرَ في معاني أسماءِ اللهِ وصفاتِهِ؟

فالجوابُ: نعمْ، بل يجبُ أن نَتَفَكَّرَ في المعنى، والمعنى غيرُ الكيفيَّةِ، سُئِلَ الإمامُ مالكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ قيلَ له وهو يُدَرِّسُ في الحلْقَةِ: يا أبا عبدِ اللهِ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ فقام الإمامُ مالكٌ يتصبَّبُ عرقًا، وأَطْرَقَ رأسَهُ حياءً وخجلًا، ومن كان باللهِ أَعْرَفَ كان منه أَخْوَفَ، نحن تَمُرُّ علينا هذه الكلمةُ مرَّ الرياحِ لا تُؤَثِّرُ في القلوبِ شيئًا، لكنَّ أهلَ المعرفةِ باللهِ الذين هم أهلُهُ، لا بدَّ أن يتأثروا، أَطْرَقَ برأسِهِ وقام يتصبَّبُ عرقًا، ثم رَفَعَ رَأْسَه وقال: يا هذا الإستواءُ غير مجهولٍ، والكيفُ غير معقولٍ، والإيمانُ به واجبٌ، والسؤالُ عنه بدعةٌ، وما أُراك - يعني ما أَظُنُّكَ - إلا مُبْتَدِعًا، ثم أمرَ به فأُخْرِجَ (١)، فلا مقامَ له عنده.

هؤلاء هم الرجالُ، فالمعاني معلومةٌ ولا يُمْكِنُ أن يخاطِبَنا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بما لا نَعْلَمُ أبدًا، لكن الكيفيَّاتِ مجهولةٌ.

فإن قال قائلٌ: كيف أَتَصَوَّرُ المعنى ولا أَتَصَوَّرُ الكيفيَّةَ؟

قلنا: هذا سهلٌ، الآن لو أقولُ لك: فلانٌ صَعِدَ على السَّطْحِ. تَعْرِفُ معنى صَعِدَ، لكن لا تَعْرِفُ كيف صَعِدَ، مع أنه مِثْلُكَ، لا تَعْرِفُ كيف صَعِدَ فمن الممكنِ أنه صَعِدَ على يديه ورِجْلَيْهِ، أو صَعِدَ بسيَّارَةٍ، أو صَعِدَ محمولًا.


(١) أخرجه اللالكائي في اعتقاد أهل السنة رقم (٦٦٤)، والبيهقي في الأسماء والصفات رقم (٨٦٧)، وأبو نعيم في الحلية (٦/ ٣٢٥)، والدارمي في الرد على الجهمية رقم (١٠٤).

<<  <   >  >>