للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ}؛ بالذي أَنْزَلَ اللهُ من الكُتُبِ كلها، وهكذا يجبُ علينا نحن أيضًا أن نُؤمنَ بما أَنْزَلَ اللهُ من كتابٍ، ولكن لا يجبُ علينا أن نَتَّبِعَ ما أنزل اللهُ من كتاب، نَتَّبِعُ ما جاء في شريعتِنا، وإن خَالفَ ما في الشرائعِ الأولى، لكن نؤمنُ بأنَّ الكُتبَ النَّازلةَ على موسى وعيسى وداودَ وغيْرِهم من الأنبياءِ، نؤمنُ بأنها حقٌّ. أمَّا الإتِّباعُ فهو لشريعةِ محمَّدٍ - صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ-.

قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} أي: بأن أَعْدِلَ]. أفادنا المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ أنَّ اللامَ في قولِهِ: {لِأَعْدِلَ} بمعنى الباءِ، أي: أُمِرْتُ بأنْ أَعْدِلَ بينكم، هذا ما قَدَّرَهُ المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ.

ولا شَكَّ أنَّ هذا تقديرٌ سهلٌ، فسهلٌ أن يقولَ: اللامُ بمعنى الباءِ؛ لكنَّ إتيانَ اللامِ بمعنى الباءِ قد لا يكونُ سائغًا في اللغةِ العربيَّةِ، وأن اللهَ تعالى أَمَرَ رسولَهُ - صلى الله عَلَيْهِ وسلم - بأمرٍ فوق ذلك؛ أي: وأُمِرْتُ بالشَّرعِ أو بالعدل {لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} فيكونُ المأمورُ به محذوفًا، ويكونُ الموجودُ هو العِلَّةَ، أُمِرْتُ بكذا لأَعْدِلَ بينكم، وهذا أَبْلَغُ من أن نقولَ اللامُ بمعنى الباءِ، ويكون أُمِرْتُ بالعدلِ بينكم، لا أُمِرْتُ بالشرعِ والإيمانِ بكلِّ كتابٍ؛ لأَعْدِلَ بينكم. قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} في الحُكْمِ].

وقولُهُ: {اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ} هذه الجُملةُ حقٌّ لا شَكَّ فيه، ولكن قد يقولُ قائلٌ: ما الفائدةُ منها؟ أليس هذا كقولِ القائلِ: السماءُ فوقنا والأرضُ تحتنا، لأنَّ هؤلاء يُقِرُّون بأن اللهَ ربُّهُم، فما الفائدةُ؟

فالجوابُ: الفائدةُ من ذلك هو إلزامُهُم أن يكونوا مِثْلَ ما كُنا عليه من الدِّينِ؛ لأنَّ الرَّبَّ واحدٌ {اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ} بإقرارِكم، فإذا كان كذلك، فالواجبُ عليكُم أن تخضعوا لأوامرِ ربِّكم عَزَّ وَجَلَّ.

<<  <   >  >>