للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حتى إذا أَخَذَه لم يُفْلِتْهُ" (١).

قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [حيث لم يُهْلِكْهُم جوعًا بمعاصيهم]، وإنما فَسَّرها بقولِهِ: [حيث لم يُهْلِكْهُم جوعًا بمعاصيهم] توطئةً لقولِهِ تعالى: {يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ {يَرْزُقُ} أي: يعطي، فالرِّزقُ بمعنى العطاءِ، ومنه قولُهُ تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ} أي: أَعْطُوهُمْ.

قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{مَنْ يَشَاءُ} من كلٍّ منهم ما يشاءُ]؛ لأنَّ المسألةَ فيها مرزوقٌ وفيها رزقٌ، والمرزوقُ عَبَّرَ عنه بقولِهِ: {مَنْ يَشَاءُ} وأتى بـ (من) التي للعقلاءِ، والمرزوقُ قَدَّرَها الشارحُ بقولِهِ: [ما يشاءُ].

إذن: لدينا رزقٌ ومرزوقٌ، المرزوقُ عَبَّرَ اللهُ عنه بقولِهِ: {مَنْ يَشَاءُ} والرزقُ حُذِفَ لِلْعِلْمِ به، وقَدَّرَهُ المفَسِّرُ بقولِهِ: [ما يشاءُ].

ونظيرُ هذا قولُهُ تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ}.

وقولُهُ: {مَنْ يَشَاءُ} تَرِدُ كثيرًا في القرآنِ أشياءُ معَلَّقَةٌ بالمشيئةِ؛ فهل هذه الأشياءُ المعَلَّقَةُ بالمشيئةِ هي لمشيئةٍ مُجَرَّدَةٍ أو لمشيئةٍ مقرونةٍ بالحكمةِ؟ الجوابُ: الثاني، يتعيَّنُ هذا؛ لأنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في أفعالِهِ لا يفعلُ إلا الحكمةَ؛ كلَّما وجدْتَ مُضافًا إلى اللهِ معلَّقًا بالمشيئةِ، فاعلمْ أنه مقرونٌ بالحكمةِ.

ودليلُ ذلك: قولُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الإنسان: ٣٠]، ففي هذا إشارةٌ إلى أنَّ مشيئةَ اللهِ عزَّ وَجَلَّ صادرةٌ عن عِلْمٍ وحكمةٍ،


(١) أخرجه البخاري: كتاب التفسير، باب قوله: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى}، رقم (٤٦٨٦)، ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم (٢٥٨٣)، من حديث أبي موسى - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>