للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والدليلُ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} [فاطر: ٤٤] لم يَقُلْ: عليمًا قويًّا، أيُّهُما أشدُّ وأكْمَلُ؟ نقولُ: كلُّ شيءٍ بحسَبِ، القدرةِ لا يُوصَفُ بها إلا ذَوُو الإرادةِ؛ فالجدارُ مثلًا لا تقُل: إنه قديرٌ، والقوةُ يوصَفُ بها ذوو الإرادةِ وغيرُهُم، تقولُ: الجدارُ قويٌّ، والحجارةُ قويَّةٌ. لكن لا تقولُ: قديرةٌ.

والقوةُ أَكْمَلُ من جهةٍ أخرى؛ لأنَّه ليس كُلُّ قادرٍ قويًّا، فلو امتحنَّا واحدًا منكم، وقلنا: احملْ هذا الحَجَرَ، فأراد أن يَحْمِلَهُ عَجَزَ أن يُقِلَّه عن الأرضِ، فهل نقولُ هذا غيرُ قويٍّ أم غير قادرٍ؟ الجوابُ: غير قادرٍ؛ لأنَّه عجَز لم يُزَحْزِحْه.

ولو قلنا لآخَرَ: احمِلْ هذا الحَجَرَ؛ فكشف عن ذراعيه ثم حَمَلَه، لكنه تَعَثَّرَ، نقولُ: غير قويٍّ، فهو قادرٌ، الآن حَمَلَه، لكنه غَيْرُ قويٍّ. فصارت القوةُ من هذه الناحيةِ أَكْمَلُ؛ لأنَّها هي القدرةُ على الشيءِ بلا ضعفٍ.

هنا يقولُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{الْعَزِيزُ} يعني: الغالبُ على أَمْرِه]؛ قَسَّمَ العُلَماءُ رَحَمَهُم اللَّهُ العزَّةَ إلى ثلاثةِ أقسامٍ: عِزَّةَ القَدْرِ، وعزَّةَ القَهْرِ، وعزَّةَ الإمتناعِ.

الأولُ: عزَّةُ القَدْرِ: يعني: أن قَدْرَه عظيمٌ؛ لا نظيرَ له، ومنه قولُ العربِ: هذا عزيزٌ. يعني: نادرُ الوجودِ، هذه عزَّةُ القَدْرِ.

الثاني: عزَّةُ القَهْرِ: يعني: الغلبةَ، وهذا أكثرُ ما تَرِدُ بهذا المعنى؛ فالعزيزُ بمعنى الغالِبِ، ومنه قولُهُ تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} ردًّا على قولِ المنافقين؛ {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ}.

الثالثُ: عزَّةُ الإمتناعِ، يعني: أنه يمتنعُ عَلَيْهِ السوءُ عزَّ وَجَلَّ ويمتنعُ عَلَيْهِ النقصُ؛ يُحاولُ المجرمون أن يصفوه بالنقصِ، ولكنه يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ، ومنه قولُهُم: هذه أرضٌ

<<  <   >  >>