للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن الإنسانَ لا يَصْبِرُ، طبيعةُ الإنسانِ أنه لا يَصْبِرُ، فيستولي عليه اليأسُ والقنوطُ من رحمةِ اللهِ، والذي يجبُ على المرءِ ألا يَقْنَطَ من رحمةِ اللهِ، كما قال عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزُمَرِ: ٥٣]، وقال عن إبراهيمَ: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحِجْرِ: ٥٦].

فالواجبُ عليك إذا مَسَّكَ السوءُ ألا تَقْنَطَ، الواجبُ أن تَصْبِرَ وتَحْتَسِبَ، ودوامُ الحالِ من المحالِ، لكنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَذْكُرُ الشيءَ بحسبِ الواقِعِ، لا بِحَسَبِ ما ينبغي للإنسانِ من ملازمةِ الصبرِ وانتظارِ الفرَجِ.

فمثلًا: إذا نَزَلَ بالإنسانِ ضائقةٌ، وقَدَّرَ في نفْسِه أنه لا يُمْكِنُ زوالهُا فهذا قنوطٌ بلا شكٍّ، لكن إذا قَدَّرَ في نفْسِه أنه لا تُمْكِنُ إزالتُها من المخلوقِ فهذا حقٌّ؛ لأنَّ بعضَ الأمراضِ مثلًا حَسَبَ المعروفِ أنه لا يُمْكِنُ للمخلوقِ أن يزيلَها، لكن قد تزولُ بإذنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُذكر لنا أن بعضَ القراءِ الذين وَهَبَهُم اللهُ تعالى إيمانًا وتَقوَى يَقْرَأُ على المصابِ بالسرطانِ فيبرأُ بإذنِ اللهِ، فالسرطانُ حَسَبَ الطِّبِّ الحسِّيِّ يرونه من الأمراضِ الميؤوسِ منها.

إذن: اليأسُ من أن هذه الضائقة لا تزولُ على يدِ المخلوقِ حقٌّ، ولا مانعَ فيه، أما من عند الخالِق فلا يجوزُ؛ لأنَّ الله على كلِّ شيءٍ قديرٌ والذي خلقك من ماءٍ مهينٍ قادرٌ على أن يَشْفِيَكَ من هذا المرضِ مثلًا، والذي أَخْرَجَكَ من بطنِ أُمِّكَ ليس عليك ثيابٌ حتى هَيَّأَ اللهُ لك الثيابَ قادرٌ على أن يَكْسُوَك بالغنى بَعْدَ الفقرِ، فلا تَيْأَسْ من رَحْمهِ اللهِ أبدًا، انتظِرِ الفَرَجَ، ولكن اصْبِرْ لا تتعجَّلِ الأمورَ، فاللهُ تعالى جَعَلَ لكلِّ شيءٍ سُنَّةً وطريقةً تأتي بها في النهايةِ.

<<  <   >  >>