وتَرْحَمُ أولادَها وتجوعُ لِشِبَعِهِم، إلى غيرِ ذلك مما إذا تأمَّلْتَه عَجِبْتَ من هذه المخلوقاتِ البُهمِ.
الطيورُ أعطاها اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قُوَّةَ نظرٍ بعيدةً، بدليلِ أنها ترى الحَبَّ وهي في جوِّ السماءِ، والآدميُّ لا يرى هذا بلا شكٍّ، لكن لمَّا كانت الطيورُ لا تمشي على الأرضِ يَسَّرَ اللهُ لها بصرًا نافذًا قويًّا حتى ترى الحَبَّةَ وهي في جوِّ السماءِ فتنزلَ وتأخُذَها وتطيرَ، إلى غيرِ ذلك من الآياتِ العجيبةِ.
انظر مثلًا إلى الذَّرِّ الصغيرِ كيف يهتدي إلى جُحْرِه وهو يأتي إليه من بعيدٍ، ثم إنه يمشي على خطٍّ واحدٍ، شاهدناه بأعيُنِنا يمشي على خطٍّ واحدٍ على البساط الذي ليس فيه أثرُ ترابٍ. فتجدُه يصلُ إلى النهايةِ وإذا به ينحرفُ على زاويةٍ، كيف اهتدى إلى هذا إلا بهدايةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ وقد قيل: إنه كلما مشى فإنه يَخْرُجُ منه شيءٌ؛ أي: مادَّةٌ، يشمُّهُا الذَّرُّ الآخرُ فيمشي تَبَعَهُ، هذا من آياتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
تجدُ النملَ - وهو أكبرُ من الذَّرِّ - يحرصُ على أن يأتيَ بزادِهِ من بعيدٍ ثم يُخَزِّنَه في جُحْرِهِ، وإذا أراد أن يُخَزِّنَهُ أَكَلَ رؤُوسَ الحبِّ من أجلِ ألا يَنْبُتَ؛ لأنَّه لو بَقِيَ الحبُّ برؤوسه نَبَتَ وفَسَدَ عليه فتجدُه يَأْكل أعلى الحبَّةِ وأسْفَلَها حتى لا تَنْبُتَ، ثم إذا جاءَ المطرُ وابتلِّت الأرضُ ووَصَلَ البللُ إلى جُحْرِهِ تَجِدُه ينقُلُ هذا الحَبَّ ليُخْرِجَه إلى الشمسِ والهواءِ حتى يَيْبَسَ، مَن الذي عَلَّمَهُ؟ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لا شكَّ، فهو من آياتِ اللهِ.
وما أحسنَ الإستعانةَ على هذا بقراءةِ كتابِ (مفتاحُ دارِ السعادةِ)(١) لابنِ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ هذا ذكرٌ فيه عجائبُ، حتى ذكر به قِصَّةَ أن رجلًا وَضَعَ طُعْمًا لذَرَّةٍ من