للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا هو النبيُّ عَلَيْهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يقولُ اللهُ له: اسْتَعْجَلْتَ فَأَذِنْتَ لهم، وهذه آيةٌ عظيمةٌ تُرَتِّبُ سَيْرَ الإنسانِ ألَّا يَتَعَجَّلَ في الأمورِ إذا كان اللهُ عاتَبَ نَبِيَّهَ؛ لأنه أَذِنَ لهم قَبْلَ أن يَتَبَيَّنَ له الأمْرُ، فما بالُكُم بغيْرِه؟ وقال اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزابِ: ٣٧].

نعم الرُّسُلُ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ معصومون من كبائِرِ الذُّنُوبِ، معصومون من الشِّرْكِ، معصومون من سفاسِفِ الأخلاقِ، أمَّا المعاصي الَّتي دُونَ ذلك فإنَّهم غَيْرُ معصومين منها، ولكنَّهم معصومون من الإستمرارِ فيها، وهذا شيءٌ ليس لغيْرِهم. نسألُ اللهَ تعالى أن يَجْعَلَنا وإيَّاكم من أتْباعِهِ، إنه على كلِّ شيءٍ قديرٌ.

إذن قوْلُ المفسِّرِ رَحِمَهُ اللهُ: [أمَّا غيْرُ المُذْنِبِين] غيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لأنَّه ما من أحدٍ إلَّا ويُذْنِبُ، كما جاء في الأحاديث، وعليه فهذا الكلامُ من المفَسِّرِ غيْرُ واردٍ، نعم من النَّاسِ من تَكُونُ له ذُنوبٌ وله أعمالٌ صالحةٌ تُكَفِّرُ الذُّنُوبَ دون أن يُصَابَ بمُصِيبةٍ، هذا واقِعٌ كثيرًا.

حكى رجُلٌ للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه رأى امرأةً، وأصاب منها ما يُصيبُ الرجُلُ من امرأتِهِ، غَيْرَ أنَّه لم يَزْنِ بها فقال: "أَشَهِدْتَ معنا صلاةَ الفَجْرِ؟ قال: نعم، قال له: إنَّ الحسناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ" (١)، فصلاتُهُ الفَجْرَ أَذْهَبَت السَّيِّئاتِ.

وكذلك قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الصَّلَواتُ الخمْسُ، والجُمُعةُ إلى الجُمُعةِ، ورمضانُ


(١) أخرجه البخاري: كتاب الحدود، باب إذا أقر بالحد ولم يبين، رقم (٦٨٢٣)، ومسلم: كتاب التوبة، باب قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}، رقم (٢٧٦٤)، من حديث أنس - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>