للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَعَلْتُمُوه تَحَابَبْتُم أفشُوا السَّلامَ بَيْنكم" (١).

لماذا لا نُفْشِيه بَيْنَنا مع أنَّ المُسَلِّمَ إذا سَلَّم يأتيه عَشْرُ حسناتٍ، وأظنُّ لو أنَّ أحدًا قيل له: كلما سَلَّمْتَ أَعْطَيْنَاكَ دِرْهمًا ريالًا واحدًا يُسَلِّمُ، ويتردَّدُ مَرَّةً ومرَّةً ومرَّةً كيْ تَكْثُرَ الدَّراهمُ، مع أنَّ هذه الدَّراهمَ الَّتي حَصَّلَها زائلةٌ في الواقِعِ، كلُّ ما تَمْلِكُه في الدنيا فإمَّا أن يَزُولَ عنك، وإمَّا أن تَزُولَ عنه ولا بدَّ، لكنَّ الحسنَةَ تبقى لك وتَجِدُها أشدَّ ما تكونُ حاجةً إليها.

أوصيكم: بالعملِ بالعِلْمِ، فإن لم تَعْلَمُوا فأنتم نُسَخٌ كالكُتُبِ في الجدرانِ، ومع ذلك الكُتُبُ في الجدرانِ سالمةٌ، أمَّا أنتم إذا لم تَعْمَلُوا فَغَيْرُ سالِمين، واللهِ غَيْرُ سالمِين، اعْمَلُوا، تَرَبَّوْا بالعِلْمِ في عبادةِ اللهِ، وفي معامَلةِ عبادةِ اللهِ، وفي معامَلةِ أنْفُسِكم، هذه نصيحةٌ أرجو ألَّا تَغِيبَ عن بالِكُم فإنَّها إن شاء اللهُ مفيدةٌ، واللهُ المُوَفِّقُ.

فإن قال قائلٌ: يكونُ الشَّخصُ في مكانٍ يقرأُ أو يكتبُ، ثمَّ الإنسانُ يريدُ حاجةً من مكانٍ آخَرَ يَمُرُّ عليه، هل كلما مرَّ يُسَلِّمُ عليه ولو كان يخشى أن يقاطِعَه؟

الجوابُ: أوَّلًا، إذا رأيْتَ إنسانًا مشغولًا وتخشى أنك لو سَلَّمْتَ عليه شَوَّشْتَ عليه فلا تُسَلِّمْ؛ لأنَّ هذا من مَصْلَحَتِه، ولهذا قال الفقهاءُ: يُكْرَهُ السَّلامُ على إنسانٍ مُشْتَغِلٍ بِذِكْرٍ، أو أَكْلٍ، أو غَيْرِه، لكن لا أريدُ أنا هذه الحال، فهذه ربَّما يكونُ الَّذي لم يُسَلِّمْ أَفْرَحَ منه ممن لو سَلَّمَ عليه، لكن إذا كان يَلْبَسُ حذاءَهُ ومَرَّ إنسانٌ من عنده فتَجاوَزَه ولم يُسَلِّمُ فلماذا لا يُسَلِّمُ؟ واللهِ أكادُ أَتَقَطَّعُ أن أرى طَلَبةَ عِلْمٍ يرى بعضُهُم البعضَ ولا يُسَلِّمُ.


(١) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، رقم (٥٤)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>