للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ}؛ أي: على ظَهْرِ البحْرِ، وحينئذٍ تَتَعَطَّلُ المصالحُ، وربُّما تأتي ريحٌ عاصفٌ تقصفُ بالسَّفينةِ فتُغْرِقُها.

فالأحوالُ إذن ثلاثةٌ: إمَّا رياحٌ طَيِّبةٌ تسيرُ بها السَّفينةُ على ما ينبغي، وإمَّا رياحٌ عاصفةٌ تُغْرِقُ السَّفينةَ، وإمَّا سُكُونٌ فتقفُ رواكِدَ على ظَهْرِ الماءِ، فهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُبَيِّنُ أنَّ من آياتِهِ سَيْرَ هذه السُّفُنِ.

قال المفَسِّرُ رَحِمَهُ اللهُ: [{إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ} يَصِرْنَ {رَوَاكِدَ} ثَوَابِتَ لا تَجْرِي {عَلَى ظَهْرِهِ}؛ أي: ظَهْرِ البَحْرِ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}].

قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ} ثم قال: {لَآيَاتٍ}؛ لأنَّ التَّبعيضَ بعضُ الشَّيءِ، فإذا كان الشَّيءُ ألفًا فبعضُه قد يكونُ مائتين أو ثلاثَ مِئَةٍ، وإذا كان الشَّيْءُ اثنين فالبعضُ واحدٌ، والسُّفنُ كثيرةٌ لا تحصى؛ ولهذا قال {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ} باعتبارِ السُّفنِ الكثيرةِ الَّتي تجري على البحْرِ، وربَّما نقولُ باعتبارِ السَّفينةِ الواحدةِ مما يشاهدُه ركَّابُها في البحرِ من الآياتِ العظيمةِ الدالَّةِ على كمالِ قدرةِ اللهِ؛ ولهذا يُحَدِّثُنَا الَّذين يَذْهَبون في البحرِ لاصطيادِ السَّمَكِ عن عجائِبَ ممَّا يشاهِدون من السَّمكِ باختلافِ أنواعِها، واختلافِ ذواتِها كِبَرًا وصِغَرًا وشَكْلًا، ممَّا هو من أعظمِ آياتِ اللهِ.

قولُهُ: {صَبَّارٍ} صيغةُ مبالَغَةٍ؛ أي: كثيرِ الصَّبْرِ {شَكُورٍ} كَثِيرِ الشُّكرِ، فما وجْهُ الجمْعِ بين الصَّبْرِ والشُّكْرِ؟ وجْهُه ظاهرٌ؛ لأنَّ هذه السُّفُنَ إن جرت على ما ينبغي فوظيفةُ الإنسانِ الشُّكْرُ، وإن جرت على ما لا ينبغي فوظيفَتُه الصَّبْرُ، فالصَّابِرُ والشَّاكرُ كلاهما سيرى من آياتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ في هذه السُّفُنِ ما يُوقِنُ أنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على كلِّ شيءٍ قديرٌ، وأنَّه رحيمٌ بالعبادِ، وغيرَ ذلك ممَّا سيراه.

<<  <   >  >>