للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالنِّسبةِ لعذاب النَّارِ في جنَّةٍ، فقال اليهوديُّ: أشهد أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ (١).

فآمَنَ على الفورِ؛ لأنَّ هذا دَخَلَ عَقْلَهُ، وأنَّ ما قاله الرَّسولُ حقٌّ، الدُّنْيا مهما كانت فهي بالنِّسبةِ للآخرةِ سِجْنٌ ما هي بشيءٍ، ولكنَّ الدُّنيا مهما كانت من الضِّيقِ فهي بالنِّسبةِ للنَّارِ جنَّةٌ.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ حياتَنَا هذه دنيا، من الدُّنُوِّ؛ أي: القُرْبِ، أو من الدَّناءةِ؛ أي: الخِسَّةِ والحقارةِ، تَشْمَلُ المَعْنَيَيْنِ جميعًا، فهي قريبةٌ؛ لأنَّها سابقةٌ على الآخرةِ من حين يُولَدُ الإنسانُ وهو فيها، وهي دنيئةٌ؛ أي: حقيرةٌ بالنِّسبةِ للآخرةِ، إذن دنيا مُؤَنَّثُ أَدْوَنَ، وهي إمَّا من الدُّنُوِّ، وإمَّا من الدَّناءةِ وهي الحقارةُ، فبها تحقيرُ الدُّنيا.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّ ما عند اللهِ خيرٌ من الدُّنيا بأجمَعِها؛ لقولِهِ: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} إذن في الآيةِ التَّزهيدُ في الدُّنيا والتَّرغيبُ في الآخرةِ.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: الثَّناءُ على من جَمَعَ بَيْنَ الإيمانِ والتَّوكُّلِ؛ لقوله: {لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}.

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أنَّ التَّوكُّلَ عبادةٌ يَجِبُ إفرادُ اللهِ به، وجْهُ الدِّلالةِ: تقديمُ المعمولِ، هذا دليلُ وجوبِ إفرادِ اللهِ به، وأمَّا الدَّليلُ على أنه عبادةٌ فلأنَّ اللهَ تعالى ذَكَرَهُ في مقامِ الثَّناءِ، ولا ثناءَ إلا في عبادةٍ.

الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: فضيلةُ الجمْعِ بين هذه الصِّفاتِ المذكورةِ؛ لأنَّ كلَّ صفةٍ منها صفةُ مَدْحٍ لا شكَّ، لكنَّ اجتماعَها يَكُونُ أَكْمَلَ، أرأيْتَ لو وَصَفْتَ إنسانًا بالكرمِ


(١) ذكر هذه القصة المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير (٣/ ٥٤٦).

<<  <   >  >>