للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقلتَ: فلانٌ كريمٌ، أليس مدحًا؟ إذا قلتَ: شجاعٌ، انضمَّ الآن الكرمُ إلى الشَّجاعةِ وانضمامُ الصِّفتيْن بعضِهِما إلى بعضٍ يُوَلِّدُ صفةً ثالثةً، وهو جَمْعُهُ بين الصِّفاتِ، وهكذا نقولُ في كلِّ الصِّفاتِ المتعددةِ إن جَمْعَهَا يَزيدُ الموصوفَ بها ثناءً.

الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: وجوبُ التَّوكُّلِ على اللهِ؛ لقولِهِ: {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} حيث قَدَّمَ المعمولَ.

فإن قال قائلٌ: أيجوزُ أن يَتَوَكَّلَ على الغَيْرِ فيما يَقْدِرُ عليه؟

فالجوابُ: نعم، ولكن لا يَجْعَلُ هذا التَّوكُّلَ تفويضًا يتعلَّقُ القلْبُ به؛ لأنَّ هناك فَرْقًا بَيْنَ أن أقولَ: يا فلانُ وَكَّلْتُكَ لِتَشْتَرِيَ لي كذا وكذا، هنا أعتمدُ عليه لكنِّي لا أفوِّضُ الأمرَ إليه، بل أنا حينما أقولُ: يا فلانُ اشترِ لي كذا وكذا، أعتبرُ نفْسِي فَوْقه؛ لأنَّني الآن أنا الَّذي بيدي الأمرُ، آمُرُهُ وأنهاه، لكنَّ الإعتمادَ الَّذي هو التفويضُ المُطْلَقُ، هذا لا يكُونُ إلَّا للهِ عَزَّ وَجَلَّ.

فإذا أَوْرَدَ علينا إنسانٌ هذا الإيراد الَّذي ذَكَرْتَهُ نقولُ: الجوابُ سهلٌ، التَّوكيلُ في الشيءِ لا يدلُّ على التَّفويضِ المُطْلَقِ، التَّوكيلُ على الشَّيءِ لا يَتَعَلَّقُ القلبُ بنفسِ المتوكِّلِ عليه، بخلافِ التَّوَكُّلِ على اللهِ، فبهذا يَظْهَرُ الفَرْقُ، ويُقالُ للإنسانِ الَّذي وَكَّلَ غَيْرَه: إنه ليس ناقِصَ التَّوَكُّلِ؛ بدليلِ أن الرَّسولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وكَّلَ عليَّ بْنَ أبي طالبٍ في حَجَّةِ الوداعِ أن يَنْحَرَ عنه بَقِيَّةَ هَدْيِهِ (١)، ووكَّلَ عُرْوَةَ بْنَ الجَعْدِ أن يشتريَ له أُضْحِيَّةً، أعطاه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - دينارًا وقال: اشترِ لي به أُضْحيَّةً، فاشترى أُضْحِيَّتَيْن بدينارٍ، ثم باع واحدةً منهما بدينارٍ، فرجع إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بشاةٍ ودينارٍ، الرَّسولُ


(١) أخرجه مسلم: كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، رقم (١٢١٨)، من حديث جابر - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>