للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو الرَّئيسِ أو المَلِكِ مصلحةُ ما يريدُ فلا حاجةَ للتَّشاوُرِ؛ لأنَّ التَّشاوُرَ يُرْجَعُ إليه عند الإشكالِ والتَّردُّدِ، أمَّا مع ظهورِ المصلحةِ فلا حاجةَ لأنْ يُشَاوِرَ؛ لأنَّ المشورةَ حينئذٍ لا تزيدُ الأمْرَ إلا إشكالًا وفوضى، فالنَّاس ليسوا على رأيٍ واحدٍ، إذا أَرَدْتَ أن يَتَمَزَّقَ الأمرُ فَضَعْهُ بَيْنَ يَدَيْ عَشَرَةٍ، وإن أَرَدْتَ أن يَذُوبَ بالكُلِّيَّةِ فَضَعْهُ بين يَدَيْ عِشْرِين، لا بدَّ من اختلافِ النَّاسِ.

والأصْلُ أنه - ولي الأمر- مُؤْتَمَنٌ، وإذا أراد أن يَخُونَ مَنَعَ الشُّورَى ولو احتاجَ لها، وليسَ علينا بذِمَّتِهِ، لأنَّنا لو قلنا: إنَّ وَلِيَّ الأمْرِ يُشَاوِرُ في كلِّ شيءٍ فهذِه مُشْكِلَةٌ، ولا يُمْكِنُ أَنْ تَسْتَقِيمَ الحالُ، معناه لو يكتب للشُّرْطَةِ: احْبِسُوا فلانًا لأنَّه أساء يقولُ: واللهِ أَجْمَعُ الناسَ أُشَاوِرُ.

وهل نقولُ: كلُّ مسألةٍ تَتَعَلَّقُ بالعامَّةِ لا بُدَّ أن تُشَاوِرَ فيها، لا يُمْكِنُ هذا، وقد بَيَّنَّا أن عُمَرَ - رضي الله عنه - من أشدِّ الخلفاءِ مشاورةً ومع ذلك تكادُ تُحْصىَ مشاوراتُهُ، لا بدَّ من هذا وإلا فلا يستقيمُ الأمرُ.

فإن قال قائلٌ: إذا أَشْكَلَ على الإنسانِ الشَّيءُ هل يبدأُ بالإستخارةِ أو الإستشارةِ؟

فالجوابُ: يبدأُ بالإستخارةِ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ قال: "إذا هَمَّ أَحَدُكم بالأمْرِ فليصلِّ ركعتين" (١) (هَمَّ) يعني أصابه الهَمُّ فيه وتَرَدَّدَ وشَكَّ، وليس المرادُ أنَّ كلَّ أمرٍ تَهُمُّ به تصلِّي ركعتين أوَّلا، لكن إذا هَمَّ أحدُكُم بالأمرِ، إذا هَمَّ الإنسانُ أن يَذْهَبَ للغداءِ يُصَلِّي ركعتين يستخيرُ؟ لا، إذن "إذا هَمَّ أحدُكُم بالأمْرِ" يعني إذا أَهَمَّهُ الأمْرُ ولم يَتَبَيَّنْ له شيءٌ فليصلِّ ركعتين، فنقولُ: ابدأْ أوَّلًا


(١) أخرجه البخاري: كتاب الدعوات، باب الدعاء عند الإستخارة، رقم (٦٣٨٢)، من حديث جابر - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>