للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العذاب عنه، فَشَفَعَ له فكان في ضَحْضَاحٍ من نارٍ وعليه نعلان من نارٍ يغلي منهما دماغُه (١) والعياذُ باللهِ دماغُهُ أعلى شيءٍ في بَدَنِهِ والنَّعلان في أسفلِ شيءٍ، وإذا كان الأعلى يغلي فما دونه أشدُّ وأشدُّ، قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ولولا أنا لكان في الدَّرْكِ الأسفلِ من النَّارِ" (٢)، لولا أنا في رسالتي الَّتي كان يدافعُ عنها أبو طالب الظَّاهرُ أنَّه للأمْرَيْنِ جميعًا لأنَّ اللهَ شَكَرَ له؛ بل لأنَّ اللهَ تعالى أَذِنَ لرسولِهِ - صلى الله عليه وسلم - أن يَشْفَعَ فيه لمِا قَدَّمَه للإسلامِ من نَصْرٍ.

ويُؤْخَذُ منه أنَّ مَن نَصَرَ الإسلامَ ولو من الكافرين فله فَضْلٌ؛ لأنَّ الإسلامَ دينُ العدلِ يعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، فمثلًا إذا أعان الكفَّارُ المسلمين إعانةً صادقةً نَعْلَمُ أنَّه ليس لهم طَمَعٌ في ذلك، وانتفع المسلمون بهذا النَّصْرِ فإنه يَجِبُ أن نَعْتَرِفَ بفضْلِهم في هذا البابِ؛ لأنَّهم صَنَعوا إلينا مَعْروفًا؛ ولأنَّ الدِّينَ الإسلاميَّ دينُ العدلِ لا يَظْلِمُ أحدًا حَقَّهُ، وأمَّا قولُ بعضِ النَّاسِ لن نَعْتَرِفَ لهم بالفضلِ؛ لأنَّهم كفَّارٌ، فكفْرُهُم بينهم وبين اللهِ وتفضُّلُهم علينا حقٌّ يَجِبُ أن نَعْتَرِفَ به.

أضربُ مثلًا لذلك في قضيَّةِ كوسوفا، فقضيَّةُ كوسوفا حصل فيها ما سَمِعَه كثيرٌ منكم والَّذي انتصر لهم هم الكفَّارُ، فالحلفُ الأطلسيُّ وَضَعَ كلَّ ما يَمْلِكُ من مُعَدَّاتٍ يُمْكِنُه أن يقاتِلَ بها ودافع عنهم، ولم نَسْمَعْ أحدًا من المسلمين أَرْسَلَ طائرةً أو قذيفةً، ولعلَّ له عذرًا وأنت تلومُه، لكنَّ كَوْنَنَا نَجْحَدُ هذا الفضلَ غلطٌ نقول:


(١) أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، رقم (٦٥٦٤)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي طالب، رقم (٢١٠)، من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب مناقب الأنصار، باب قصة أبي طالب، رقم (٣٨٨٣)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه، رقم (٢٠٩)، من حديث العباس عم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنه.

<<  <   >  >>