للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطلبِ، تقولُ: استسقى بمعنى: طَلَبَ السُّقيا، استغفرَ بمعنى: طَلَبَ المغفرةَ، استرحمَ بمعنى: طلبَ الرحمةَ، وما أشبهَ ذلك، وقد تأتي بغيرِ ذلك كما في قولِك: استكبرَ ليس فيها طلبُ استكبارٍ، لكنه بلغَ في الكبر غايتَهُ.

وقوله: {وَيَسْتَغْفِرُونَ} أي: يطلبون المغفرةَ من اللهِ، والمغفرةُ قالوا: إنها مشتقةٌ من المِغفرِ، المغفرُ: شيءٌ يجعَلُه المقاتلُ على رأسِهِ يغطي الرأسَ ويقيه السهامَ، ففيه سترٌ ووقايةٌ، فإذا قلتَ: أستغفرُ اللهَ، أو ربِّ اغفرْ لي، فأنت تَطْلُبُ شيئْين:

الشيءُ الأولُ: السترُ، سترُ عيوبِك عن الناسِ، لو عَلِمَ الناسُ ما عندك من الذنوبِ ما رَدُّوا عليكَ السلامَ، كما قال القحطانيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:

واللهِ لو علموا خَبِيءَ سَرِيرتي ... لأبى السلامَ عليَّ مَنْ يلقاني (١)

فأنت تسألُ اللهَ أن يسترَ عليك.

الثاني: تسألُ اللهَ وقايةً من الذنبِ، وقايةَ العذابِ، كُلُّ مُذْنِبٍ مستحقٌّ للعقابِ.

لو قال الإنسانُ: المغفرةُ عدمُ المؤاخذةِ على الذنبِ، نقولُ: هذا بعضُ معناها، فمعناها: سَتْرُ الذنبِ وعدمُ المؤاخذةِ عليه.

وقولُهُ: {لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} (من) هُنَا اسمٌ موصولٌ يفيدُ العمومَ، وهو ليس عامًّا، إنما هذا عامٌّ يُرادُ به الخاصُّ؛ بدليلِ قولِهِ تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} [غافر: ٧]. إذنْ {لِمَنْ} هنا عامٌّ يُرادُ به الخصوصُ.


(١) نونية القحطاني (ص: ١٨).

<<  <   >  >>