للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النمل: ٧٠]، {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: ٣]، أنتَ عليكَ ما عليكَ! وهو البلاغُ، والهدايةُ بيدِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ولو شاء اللهُ لاهْتَدَوْا، فإذا كان هذا واقعًا بمشيئةِ اللهِ فإن الإنسانَ يَطْمَئِنُّ، لكن إذا تَقَطَّعَ قلبُهُ حسرةً اشتغلَ بعيوبِ الناسِ عن عيوبِهِ؛ ولهذا تجدُ الداعيةَ الذي هذا وصفُهُ دائمًا مشغولًا بأحوالِ الناسِ وينسى نفسَهُ، لو فَتَشْتَ ما فَتَّشْتَ لرأيْتَهُ في العبادةِ مُقَصِّرًا، وإذا جاء على العبادةِ وحَضَرَ فقلبُهُ في وادٍ آخَر، وهذا غَلَطٌ، أنت مأمورٌ قبْلَ كلِّ شيءٍ بإصلاحِ نَفْسِكَ.

ومأمورٌ أيضًا بالرضا بقضاءِ ربِّكَ، قضى اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أن يَهْدِيَ هؤلاء الأمرُ أمرُهُ، والعِبادُ عبادُهُ، صحيحٌ أن الإنسانَ يَحْزَنُ، لكن لا ينبغي أن يَصِلَ إلى درجةٍ يَغْفُلُ بها عن نفْسِه كما هو شأنُ بعضِ الدعاةِ، والإنسانُ إذا كان هكذا فَثِقْ أنه سيكونُ متزنًا في الدعوةِ إلى اللهِ، وإلا يكنْ فَسَيكونُ متهورًا، ويأتي بما لا تُحْمَدُ عقباه؛ لذلك كُنْ داعيًا إلى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - كما كان عليه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ.

فإن قال قائلٌ: بعضُ من يَعْمَلُ بالدَّعوةِ يُقَسِّمُ المجتمَعاتِ إلى أقسامٍ: المجتمعُ المدنيُّ، المجتمعُ الحبشيُّ، ونَزَلَ على كلِّ مُجْتَمَعٍ آياتٌ نَزَلَتْ في الصَّحابةِ في ذاك الوقتِ، فهل يصحُّ هذا؟

فالجوابُ: هو لا شكَّ هذا، وليس بسببِ أنَّ القومَ حَبَشِيُّونَ أو مَكِّيُّونَ أو مَدَنِيُّونَ، هذه قاعدةٌ عامَّةٌ: تُنَزَّلُ الآياتُ الَّتي نزلتْ في مَكَّةَ على من كان مثلَ أَهْلِ مَكَّةَ كما نَزَلَتْ فيهم، فالعبرَةُ بعمومِ اللَّفْظِ لا بخصوصِ السَّبَبِ.

مسألةٌ: يقولون: إن بَعْضَ السُّنَنِ تجبُ على طالبِ العِلْمِ؟

فالجوابُ: نعم، بعضُ السُّنَنِ تَجِبُ على طالِبِ العِلْمِ إذا كان عَمَلُه إيَّاها إحياءً للسُّنَّةِ، فهنا يجبُ عليه فِعْلُها؛ لأنَّ هذا من بابِ البلاغِ.

<<  <   >  >>