للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالخلاصة: أن الناسَ انقسموا بالنسبةِ لأفعالِ العبدِ إلى ثلاثةِ أقسامٍ:

قِسْمٍ يقولون: إن العبدَ لا اختيارَ له ولا إرادةَ ولا مشيئةَ، وأنه يفعلُ الفعلَ الإختياريَّ كالفعلِ الإجباريِّ، وهؤلاء هم الجبرَّيةُ وهم الجهميَّةُ، الجهميَّةُ جبريَّةٌ بالنسبةِ لأفعالِ العبدِ، فحركةُ الإنسانِ الإختياريَّةُ، كقيامِهِ وقعودِهِ وأكلِهِ وشربِهِ ونومِهِ واستيقاظِهِ مُجْبَرٌ عليه، فهو في هذه الحركاتِ كالمريضِ الذي يرتعشُ من الحرارةِ بغيرِ اختيارِهِ، وهؤلاء ضالُّون؛ لأَنَّه على قاعدتهم يكونُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إذا عُذِّبَ الإنسانُ المخالفُ يكونُ ظالمًا له؛ لأنَّه ليس اختيارَهُ، هم يَرَوْنَ أن الظُّلْمَ في حقِّ اللهِ مُحَالٌ مستحيلٌ؛ لأنَّ الظُّلْمَ تصرُّفُ الفاعلِ في غيرِ مِلْكِهِ، واللهُ عَزَّ وَجَلَّ له مُلْكُ السَّمواتِ والأرضِ؛ ولهذا كان الظُّلْمُ عندهم مستحيلًا هذه طائفةٌ.

طائفةٌ أخرى يقولون: الإنسانُ مستقلٌّ بعمَلِهِ يَفْعَلُ ما يشاءُ، ولا علاقةَ للهِ تعالى في عملِهِ، وهؤلاء هم القَدَرِيَّةُ الذين سمَّاهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - "مجوسَ هذه الأمَّةِ" (١)؛ لأنَّ هؤلاء يقولون: الحوادثُ الكونيَّةُ لها خالقان، حوادثُ العِبَادِ هم يَخْلُقُونها، وحوادثُ الكونِ يَخْلُقُها اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، فجعلوا للحوادثِ خالِقَيْنِ كما أن المجوسَ جعلوا للحوادثِ خالِقَيْنِ؛ ولهذا سَمَّاهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - "مجوسَ هذه الأمَّةِ".

وعلى رأيِهِم يَكُونُ في مُلْكِ اللهِ ما لا يشاؤُهُ اللهُ، لكن قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [التوبة: ١١٦]، فإذا كانتْ أفعالُ العبادِ بغيرِ مشيئةِ اللهِ وإرادتِهِ صار في مُلْكِه ما لا يشاءُ وهؤلاء ضالُّونَ غالِطُونَ؛ لأنَّه كيف يكونُ اللهُ هو الخالقَ للعبْدِ ونقولُ: العبدُ مستقلٌّ عن اللهِ ولا للهِ فيه دخلٌ ولا شيءٌ.


(١) أخرجه الإمام أحمد (٢/ ٨٦)، وأبو داود: كتاب السنة، باب في القدر، رقم (٤٦٩١)، من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.

<<  <   >  >>