إذَنِ: العاملُ متأخِّرٌ عن المعمولِ في {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} وفي {وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.
والقاعدةُ عند البلاغِيِّين: أنه إذا تَقَدَّمَ ما حَقُّهُ التأخيرُ كان ذلك دليلًا على الحَصْرِ، فـ {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} بمنزلةِ: ما تَوَكَّلْتُ إلا عليه، {وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} بمنزلةِ: ما أُنِيبُ إلا إليه.
فقوله:{عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ}؛ أي: فَوَّضْتُ أمري إلى اللهِ تفويضًا كاملًا.
والتوكُّلُ على اللهِ ليس كالتوكُّلِ على البشرِ، التوكُّلُ على البشرِ بمعنى أنك تَعْمِدُهُ أن يشتريَ لك شيئًا، وهذا تفويضٌ خاصٌّ، وأيضًا تفويضٌ تعتقدُ أنك أنت صاحبُ الشأنِ فيه؛ بمعنى: لو شئتَ لعزلْتَه، وفسخْتَ الوكالةَ، لكنَّ تَوَكُّلَكَ على اللهِ تفويضٌ إلى اللهِ في كلِّ شيءٍ ولا يُمْكِنُكَ أن تَفْسَخَ الوكالةَ، حتى لو فسخْتَها فاللهُ عَزَّ وَجَلَّ وكيلٌ عليك.
وبهذا نَعْرِفُ الفَرْقَ بين أن يقولَ القائلُ: توكَّلْتُ على فلانٍ؛ يعني: معناه أني وَكَّلْتُهُ، وتَوَكَّلْتُ على اللهِ، هل: تَوَكَّلْتُ على اللهِ مثل: وَكَّلْتُ فلانًا؟
الجواب: لا أبدًا وإن اتَّفق اللفظان، ولكن يختلفُ المَعْنَيَانِ اختلافًا عظيمًا، لاحظوا، تَوَكَّلْتُ على فلانٍ؛ أي: فَوَّضْتُهُ بأمري والأمرُ إليه إن شئتُ عَزَلْتُه، لكنْ تَوَكَّلْتُ على اللهِ فَوَّضْتُ أمري إليه مستندًا إليه جَلَّ وَعَلَا في تيسيرِ أمري وتسهيلِهِ.
وحينئذٍ لا نقولُ: إن مَنْ تَوَكَّلَ على شخصٍ في شراءِ شيءٍ يكونُ مشركًا باللهِ، لا نقولُ هذا؛ لأنَّه يَظْهَرُ الفرقُ العظيمُ بين توكُّلِي على الشخصِ الذي وَكَّلْتُه أن يشتريَ حاجةً وبيْنَ توكُّلِي على اللهِ، توكُّلِي على اللهِ عَزَّ وَجَلَّ تفويضٌ واستعانةٌ، لكنْ توكُّلِي على الشخصِ هو الإستخدامُ في الواقعِ، فتوكيلي إياه أو تَوَكُّلِي عليه في الوكالةِ