للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولًا: أن هذا الذي وَضَعَ المادَّةَ القانونيَّةَ يَعْرِفُ ظواهرَ شَعْبِه فقط، وهو لا يَعْرِفُ كُلَّ الناسِ، وأن هذا الحُكمَ مناسبٌ لهم، فهذا قصورٌ.

ثانيًا: أنه لو عَلِمَ أحوالَ الناسِ من حيث العمومُ، فلا يُمْكِنُ أن يَعْلَمَ حالَ كلِّ أحدٍ؛ لأنَّ الناسَ يختلفون حتى في الحُكمِ الواحدِ، أرأيتَ غنيًّا وفقيرًا، فالغنيُّ عليه زكاةٌ، والفقيرُ ليس عليه زكاةٌ، الفقيرُ يَجُوزُ دفْعُ الزكاةِ له، والغنيُّ لا يجوزُ له، العاجزُ والقادرُ، القادرُ يُصَلِّي قائمًا، والعاجزُ يُصَلِّي قاعدًا، هذا الذي وَضَعَ القانونَ لا يَعْرِفُ أحوالَ الناسِ بحيث يكونُ القانونُ صالحًا لكلِّ حالٍ من أحوالِ الناسِ، وهذا نقصٌ آخرُ.

ثالثًا: واضعُ القانونِ لا يُدْرِكُ أحوالَ الناسِ في المستقبلِ، ومعلومٌ أن الأحكامَ تختلفُ باختلافِ الأحوالِ؛ ولهذا نَجِدُ أن الشريعةَ الإسلاميَّةَ تختلفُ عن الشريعةِ النصرانيَّةِ، والشريعةَ النصرانيَّةَ تختلفُ عن الشريعةِ اليهوديَّةِ، فها هو عيسى عَلَيْهِ السَّلامُ يقولُ: {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران: ٥٠]، والدينُ الإسلاميُّ أيضًا جاء مغايِرًا في كثيرٍ من الأشياءِ الفرعيَّةِ لما سَبَقَه من الأديانِ، قال اللهُ تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: ٤٨].

إذَنِ: القانونُ قاصرٌ من كلِّ وجهٍ، وإذا كان قاصرًا من كلِّ وجهٍ فلا يُمْكِنُ أن يكونَ هذا الشيءُ القاصرُ مَرَدًّا في النزاعِ.

بَقِيَ لنا أن مَن رَجَعَ إلى القانونِ فهل يكونُ كافرًا؟

الجواب: يحتاجُ إلى تفصيلٍ؛ إذا لم يَجِدِ الإنسانُ طريقًا إلى أخْذِ حَقِّهِ إلا عن طريقِ القانونِ، فليس هذا بكفْرٍ، بل ولا مُحَرَّمٍ، فلو كنتَ في بلدٍ تَحْكُمُ بالقانونِ، ولك خصومةٌ مع شخصٍ ولا يُمْكِنُ أن تلجأَ إلى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ؛ فلا حَرَجَ أن تَتَحاكَمَ

<<  <   >  >>