للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى القانونِ، وإذا حُكِمَ لك فهذا يعني: أنه كالشُّرطةِ، ولو أننا ما قُلْنا بهذا لضاعت حقوقُ الناسِ، وقد أشار إلى هذا المعنى المحقِّقُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ في كتابِ الطرقُ الحُكْمِيَّةُ، لكن إذا تحاكمتَ إلى القانونِ، وأنت تعلمُ أنه يَحْكُمُ بالظلمِ فلا يَجُوزُ أن تتحاكمَ إليه، لا إشكالَ في ذلك؛ لأنَّ بعضَ الناسِ قد يكونُ من حيث الحكمُ الشرعيُّ لا يستحقُّ هذا الشيءَ لكن باعتبارِ القانونِ يستحقُّ فقال: أحاكِمُه لآخذَ حقي بمقتضى القانونِ. فنقولُ: هذا حرامٌ، ولا يَجُوزُ.

مثالُ ذلك: ما يُسَمُّونه بالفوائدِ البنكيَّةِ، فالفوائدُ البنكيَّةُ في الحكمِ الشرعيِّ حرامٌ، وهذا الرجلُ يعْرفُ أنها حرامٌ في الشرعِ، لكن قال: أريدُ أن أتحاكمَ إلى القانونِ؛ لأنَّ القانونَ سوف يُمَكِّنُني منها فلا يَجوزُ؛ لأنَّ هذا أَكْلٌ للمالِ بالباطلِ.

إذَن: التحاكمُ إلى الطاغوتِ - وهو ما خالفَ الحكمَ الشرعيَّ - إن كان لاستخراجِ الحقِّ لا لاعتقادِ أنَّ ما حُكِمَ به هو الحقُّ؛ فهذا جائزٌ، وكأنك جعلْتَهم شُرطةً يستخرجون حقَّكَ من هذا الذي ظَلَمَك، وإن كان لاعتقادِ أن ما جاء في القانونِ حقٌّ مع مخالفَتِهِ للشرعِ فهذا حرامٌ. هذا في التحاكمِ إلى القانونِ.

بقينا في واضعِ القانونِ؛ فواضعُ القانونِ إما أن يَعْلَمَ أنه مخالفٌ للشرعِ، لكنه يعتقدُ أنه أَنْفَعُ للخلقِ من شَرْعِ رَبِّ الخَلْقِ، فهذا كافرٌ لا شكَّ، كافرٌ كفرًا مُخْرِجًا عن المِلَّةِ؛ لأنَّه مُكَذِّبٌ لقولِ اللهِ تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: ٥٠]، وَمُكَذِّبٌ لقولِهِ تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين: ٨]؛ لأنَّه وَضَعَ الآن كتابًا بدلًا عن كتابِ اللهِ، وهذا واضحٌ أنه كافرٌ، أَبْدَلَ بدينِ اللهِ غَيْرَهُ، أبدلَ بِحكمِ اللهِ غَيْرَهُ، فهذا كافرٌ، أما إذا كان لا يدري أنه مخالفٌ للشَّرْعِ، وإنما صَنَعَ ذلك بتأويلٍ إن كان من أهلِ الإجتهادِ، أو بتضليلٍ إن كان من غيرِ أهلِ الإجتهادِ، فهذا لا يَكْفُرُ.

<<  <   >  >>