للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مفردةٌ يراد بها الجنسُ، وقد بَيَّنَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ في سورةِ الطلاقِ أنها سبعٌ، فقال اللهُ تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} [الطلاق: ١٢]، فقال: {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} ومن المعلومِ أن المماثلةَ هنا ليست مماثلةً في الذاتِ، إذ إِنَّ بَيْنَ السَّمواتِ والأرضِ بَوْنًا شاسعًا، لكن المرادَ مِثْلُهُنَّ في العددِ، ويُؤَيِّدَ ذلك ما جاءت به السُّنَّةُ، فقد قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ: "من اقْتَطَعَ شبرًا من الأرضِ ظلمًا طَوَّقَهُ اللهُ به يومَ القيامةِ من سَبْعِ أرَضين" (١).

قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} مُبْدِعُهُمَا] يريدُ أن يُفَسِّرَ {فَاطِرُ} بمعنى مبدعٍ، ولكنا فَسَّرْناها بمعنى بديعٍ، وتفسيرُنَا لا ينافي تفسيرَهُ المعنى واحدٌ، لكن مُطَابَقَةَ اللفظِ لما جاء به القرآنُ أَوْلَى والذي جاء في القرآنَ {بَدِيعُ}.

{جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا}؛ أي: صَيَّرَ لكم من أنْفُسِكم أزواجًا، قال المفسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [حيث خَلَقَ حواءَ من ضِلعِ آدَمَ] فكأنه يَميلُ رَحِمَهُ اللهُ إلى أن المرادَ بالأزواجِ هنا حواءُ، ولكن هذا غيرُ صحيحٍ، بل جَعَلَ من أنْفُسِنا أزواجًا يعني: نساءً مُشَاكِلَاتٍ لنا لم تَكُنِ الأنثى بعيدةً عن شَكْلِ الرجلِ؛ لأنَّها لو كانت بعيدةً عن شَكْلِ الرجلِ ما أَلِفَهَا، ولا جَعَلَ اللهُ بينهم مودةً ورحمةً.

وقولُهُ: {مِنْ أَنْفُسِكُمْ}؛ أيْ: من جِنْسِكم، وليس المرادُ من نفْسِ الإنسانِ جَعَلَ له زوجةً، لا لو كانت من نفْسِهِ لم تكن زوجةً؛ لأنَّها تكون بِنْتَه، ولكن المرادَ {مِنْ أَنْفُسِكُمْ} أي: من جِنْسِكُم، كما قال اللهُ تعالى: {آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ


(١) أخرجه البخاري: كتاب المظالم، باب إثم من ظلم شيئًا من الأرض، رقم (٢٤٥٢، ٢٤٥٣)، ومسلم: كتاب المساقاة، باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها، رقم (١٦١٠)، من حديث سعيد بن زيد - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>