للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأجيب: بأن سند هَذَا الْحَدِيْث تالف لأن فِيْهِ موسى بن عَبْد الله الطويل (١)، قَالَ ابن حبان: ((رَوَى عن أنس أشياء موضوعة)). وَقَالَ ابن عدي: ((رَوَى عن أنس مناكير، وَهُوَ مجهول)) (٢).

لَكِنْ روي مثل هَذَا الْحَدِيْث من فعل أنس، فَقَدْ رَوَى: عَبْد الرزاق (٣)، وابن أبي شيبة (٤)، والدولابي (٥)، والبيهقي (٦)، عن الأزرق بن قيس (٧)، قَالَ: رأيت أنس بن مالك أَحَدَثَ فغسل وجهه ويديه، ومسح عَلَى جوربين من صوف، فقلت: أتمسح عليهما؟ فَقَالَ: إنهما خفان، ولكنهما من صوف)) (٨).

قَالَ العلامة أحمد شاكر: ((هَذَا إسناد صَحِيْح)) (٩)، ثُمَّ قَالَ: ((هَذَا الْحَدِيْث موقوف عَلَى أنس، من فعله وقوله. ولكن وجه الحجة فِيْهِ أنه لَمْ يكتفِ بالفعل، بَلْ صرح بأن الجوربين: ((خفان، ولكنهما من صوف)).وأنس بن مالك صحابيٌّ من أهل اللغة، قَبْلَ دخول العجمة واختلاط الألسنة، فهو يبين أن معنى (الخف) أعم من أن يَكُوْن من الجلد وحده، وأنه يشمل كُلّ ما يستر القدم ويمنع وصول الماء إِلَيْهَا؛ إِذْ إن الخفاف كانت في الأغلب من الجلد، فأبان أنس أن هَذَا الغالب ليس حصراً للخف في أن يَكُوْن من الجلد. وأزال الوهم الَّذِيْ قَدْ يدخل عَلَى الناس من واقع الأمر في الخفاف إِذْ ذاك. وَلَمْ يأت دليل من الشارع يدل عَلَى حصر الخفاف في الَّتِيْ تكون من الجلد فَقَطْ)) (١٠).

وهذا الفهم المستنبط من فعل أنس - رضي الله عنه - فيه رد عَلَى من اشترط الصفاقة أو التجليد أَوْ التنعيل للجوربين، وَقَدْ شدد ابن حزم النكير عَلَى من اشترط ذَلِكَ فَقَالَ: ((إنه


(١) هُوَ مجهول يكنى أبا عَبْد الله، فارسيٌّ كَانَ يحدّث ببغداد. الكامل في ضعفاء الرجال ٨/ ٦٩، وميزان الاعتدال ٤/ ٢٠٩، والكشف الحثيث: ٤٣٢.
(٢) ميزان الاعتدال ٤/ ٢٠٩.
(٣) في مصنفه (٧٤٥) و (٧٧٩).
(٤) في مصنفه (١٩٧٨).
(٥) في الكنى ١/ ١٨١.
(٦) السنن الكبرى ١/ ٢٨٥.
(٧) الأزرق بن قيس الحارثي البصري: ثقة، توفي بَعْدَ سنة مئة وعشرين.
الثقات ٤/ ٦٢، وتهذيب الكمال ١/ ١٦٣ (٢٩٦)، والتقريب: (٣٠٢).
(٨) هَذَا اللفظ للدولابي، والبقية ألفاظهم مقاربة.
(٩) المسح عَلَى الجوربين: ١٣.
(١٠) المسح عَلَى الجوربين: ١٤.

<<  <   >  >>