للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن الصَّحَابيّ نفسه موقوفاً عَلَيْهِ، فهنا يقف النقاد أزاء ذَلِكَ؛ لاحتمال كون المَرْفُوْع خطأً

من بَعْض الرواة والصَّوَاب الوقف، أو لاحتمال كون الوقف خطأ والصَّوَاب الرفع؛ إذ إن الرفع علة للموقوف والوقف علة للمرفوع. فإذا حصل مِثْل هَذَا في حَدِيث ما، فإنه يَكُون محل نظر وخلاف عِنْدَ العُلَمَاء وخلاصة أقوالهم فِيْمَا يأتي:

إذا كَانَ السَّنَد نظيفاً خالياً من بقية العلل؛ فإنّ للعلماء فِيهِ الأقوال الآتية:

القَوْل الأول: يحكم للحديث بالرفع

لأن راويه مثبت وغيره ساكت، وَلَوْ كَانَ نافياً فالمثبت مقدم عَلَى النافي؛ لأَنَّهُ علم ما خفي، وَقَدْ عدوا ذَلِكَ أيضاً من قبيل زيادة الثِّقَة، وَهُوَ قَوْل كَثِيْر من المُحَدِّثِيْنَ، وَهُوَ قَوْل أكثر أهل الفقه والأصول (١)، قَالَ العراقي: ((الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أن الرَّاوِي إذا رَوَى الحَدِيْث مرفوعاً وموقوفاً فالحكم للرفع، لأن مَعَهُ في حالة الرفع زيادة، هَذَا هُوَ المرجح عِنْدَ أهل الحَدِيْث)) (٢).

القَوْل الثَّانِي: الحكم للوقف (٣).

القَوْل الثَّالِث: التفصيل

فالرفع زيادة، والزيادة من الثِّقَة مقبولة، إلا أن يوقفه الأكثر ويرفعه واحد، لظاهر غلطه (٤).

والترجيح برواية الأكثر هُوَ الذي عَلَيْهِ العَمَل عِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ؛ لأن رِوَايَة الجمع إذا كانوا ثقات أتقن وأحسن وأصح وأقرب للصواب؛ لذا قَالَ ابن المبارك: ((الحفاظ عن ابن شهاب ثلاثةٌ: مَالِك ومعمر وابن عيينة، فإذا اجتمع اثنان عَلَى قولٍ أخذنا بِهِ، وتركنا قَوْل الآخر)) (٥).

قَالَ العلائي: ((إن الجماعة إذا اختلفوا في إسناد حَدِيث كَانَ القَوْل فِيْهِمْ للأكثر عدداً أو للأحفظ والأتقن ... ويترجح هَذَا أيضاً من جهة المَعْنَى، بأن مدار قبول خبر


(١) شرح التبصرة والتذكرة ١/ ١٧٧، و ١/ ٢٣٣ طبعتنا، ومقدمة جامع الأصول ١/ ١٧٠، وفتح المغيث ١/ ١٩٤، والمحصول ٢/ ٢٢٩ - ٢٣٠، والكفاية (٥٨٨ت-٤١٧هـ‍)، شرح ألفية السيوطي ٢٩.
(٢) فتح المغيث ١/ ١٦٨ ط عَبْد الرحمان مُحَمَّد عُثْمَان، و ١/ ١٩٥ ط عويضة.
(٣) مقدمة جامع الأصول ١/ ١٧٠، فتح المغيث ١/ ١٩٤، شرح ألفية السيوطي: ٢٩.
(٤) شرح التبصرة والتذكرة ١/ ١٧٩، ١/ ٢٣٣ طبعتنا، وفتح المغيث ١/ ١٩٥، وشرح ألفية السيوطي:٢٩.
(٥) نقله عَنْهُ النَّسَائِيّ في السُّنَن الكبرى ١/ ٦٣٢ عقيب (٢٠٧٢)، ونقله عَنْهُ العلائي في نظم الفرائد:٣٦٧ بلفظ: ((حُفَّاظ علم الزُّهْرِيّ ثلاثة: مَالِك ومعمر وابن عيينة، فإذا اختلفوا أخذنا بقول رجلين مِنْهُمْ)).

<<  <   >  >>