للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الواحد عَلَى غلبة الظن، وعند الاختلاف فِيْمَا هُوَ مقتضى لصحة الحَدِيْث أو لتعليله، يرجع إلى قَوْل الأكثر عدداً لبعدهم عن الغلط والسهو، وَذَلِكَ عِنْدَ التساوي في الحفظ والإتقان. فإن تفارقوا واستوى العدد فإلى قَوْل الأحفظ والأكثر إتقاناً، وهذه قاعدة متفق عَلَى العَمَل بِهَا عِنْدَ أهل الحَدِيْث)) (١).

القَوْل الرابع: يحمل المَوْقُوْف عَلَى مَذْهَب الرَّاوِي، والمُسْنَد عَلَى أَنَّهُ روايته فَلاَ تعارض (٢). وَقَدْ رجح الإمام النَّوَوِيّ من هذِهِ الأقوال القَوْل الأول (٣)، ومشى عَلَيْهِ في تصانيفه، وأكثر من القَوْل بِهِ.

والذي ظهر لي - من صنيع جهابذة المُحَدِّثِيْنَ ونقادهم -: أنهم لا يحكمون عَلَى الحَدِيْث الَّذِي اختلف فِيهِ عَلَى هَذَا النحو أول وهلة، بَلْ يوازنون ويقارنون ثُمَّ يحكمون عَلَى الحَدِيْث بما يليق بِهِ، فَقَدْ يرجحون الرِّوَايَة المرفوعة، وَقَدْ يرجحون الرِّوَايَة الموقوفة، عَلَى حسب المرجحات والقرائن المحيطة بالروايات؛ فعلى هَذَا فإن حكم المُحَدِّثِيْنَ في مِثْل هَذَا لا يندرج تَحْتَ قاعدة كلية مطردة تقع تحتها جَمِيْع الأحاديث؛ لِذلِكَ فإن مَا أطلق الإمام النَّوَوِيّ ترجيحه يمكن أن يَكُون مقيداً عَلَى النحو الآتي:

الحكم للرفع - لأن راويه مثبت وغيره ساكت، وَلَوْ كَانَ نافياً فالمثبت مقدم عَلَى النافي؛ لأَنَّهُ علم مَا خفي -، إلا إذَا قام لدى الناقد دليل أو ظهرت قرائن يترجح معها الوقف.

وسأسوق أمثلة لأحاديث اختلف في رفعها ووقفها متفرعة عَلَى حسب ترجيحات المُحَدِّثِيْنَ.

فمثال مَا اختلف في رفعه ووقفه وكانت كلتا الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيْحَة:

حَدِيث عَلِيٍّ - رضي الله عنه -: ((ينضح من بول الغلام، ويغسل بول الجارية)). قَالَ الإمام

التِّرْمِذِي: ((رفع هشام الدستوائي هَذَا الحَدِيْث عن قتادة وأوقفه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، وَلَمْ يرفعه)) (٤).

وَقَالَ الحافظ ابن حجر: ((إسناده صَحِيْح إلا أَنَّهُ اختلف في رفعه ووقفه، وَفِي


(١) نظم الفرائد: ٣٦٧.
(٢) فتح المغيث ١/ ١٦٨ ط عَبْد الرحمان مُحَمَّد، و ١/ ١٩٥ ط عويضة.
(٣) مقدمة شرح النَّوَوِيّ عَلَى صَحِيْح مُسْلِم ١/ ٢٥، والتقريب: ٦٢ - ٦٣، و ١٠٧ - ١٠٨ طبعتنا، والإرشاد ١/ ٢٠٢.
(٤) جامع التِّرْمِذِي عقب حَدِيث (٦١٠).

<<  <   >  >>