للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والشاذ في اللغة: المنفرد، يقال: شذّ يَشُذُّ ويشِذُّ - بضم الشين وكسرها - أي: انفرد عن الجمهور، وشذَّ الرجلُ: إذا انفرد عن أصحابه. وكذلك كل شيء منفرد فهو شاذ. ومنه: هو شاذ من القياس، وهذا مما يشذ عن الأصول، وكلمة شاذة ... وهكذا (١).

إذن: الشذوذ هو مخالفة الثقة للأوثق حفظاً أو عدداً، وهذا هو الذي استقر عليه الاصطلاح (٢)، قال الحافظ ابن حجر: ((يختار في تفسير الشاذ أنه الذي يخالف رواية من هو أرجح منه)) (٣).

ثم إن مخالفة الثقة لغيره من الثقات أمر طبيعي إذ إن الرواة يختلفون في مقدار حفظهم وتيقظهم وتثبتهم من حين تحملهم الأحاديث عن شيوخهم إلى حين أدائها. وهذه التفاوتات الواردة في الحفظ تجعل الناقد البصير يميز بين الروايات، ويميز الرواية المختلف فيها من غير المختلف فيها، والشاذة من المحفوظة، والمعروفة من المنكرة.

ومن الأمثلة لحديث ثقة خالف في ذلك حديث ثقة أوثق منه:

ما رواه معمر بن راشد (٤)، عن يحيى بن أبي كثير (٥)، عن عبد الله بن أبي قتادة (٦)، عن أبيه (٧)، قال: ((خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمن الحديبية، فأحرم أصحابي ولم أحرم، فرأيت حماراً فحملت عليه، فاصطدته، فذكرت شأنه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذكرت أني لم


(١) انظر: الصحاح ٢/ ٥٦٥، وتاج العروس ٩/ ٤٢٣.
(٢) وإنما قلنا هكذا؛ لأن للشاذ تعريفين آخرين، أولهما: وهو ما ذكر الحاكم النيسابوري - أن الشاذ هو الحديث الذي ينفرد به ثقة من الثقات، وليس له أصل متابع لذلك الثقة. معرفة علوم الحديث: ١١٩.
وثانيهما: وهو ما حكاه الحافظ أبو يعلى الخليلي القزويني من أن الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو غير ثقة، فما كان عن غير ثقة فمتروك لا يقبل، وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به. الإرشاد ١/ ١٧٦ - ١٧٧.
(٣) النكت على كتاب ابن الصلاح ٢/ ٦٥٣ - ٦٥٤.
(٤) تقدمت ترجمته.
(٥) هو: يحيى بن أبي كثير الطائي، مولاهم، أبو نصر اليمامي: ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل.
تهذيب الكمال ٨/ ٨٠ (٧٥٠٢)، والكاشف ٢/ ٣٧٣ (٦٢٣٥)، والتقريب (٧٦٣٢).
(٦) هو عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري، المدني: ثقة، مات سنة خمس وتسعين.
تهذيب الكمال ٤/ ٢٤١ (٣٤٧٥)، والكاشف ١/ ٥٨٦ (٢٩١٥)، والتقريب (٣٥٣٨).
(٧) هو: أبو قتادة الأنصاري، اسمه الحارث، ويقال: عمرو أو النعمان، ابن ربعي، بكسر الراء وسكون الموحدة بعدها مهملة، ابن بُلْدُمة، بضم الموحدة والمهملة بينهما لام ساكنة، السَّلَمي، بفتحتين، المدني، شهد أحداً وما بعدها.
أسد الغابة ٥/ ٣٧٤، والإصابة ٤/ ١٥٨، والتقريب (٨٣١١).

<<  <   >  >>