للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أكن أحرمت، وأني إنما اصطدته لك؟ فأمر النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أصحابه فأكلوا، وَلَمْ يأكل مِنْهُ حِيْنَ أخبرته أني اصطدته لَهُ)) (١).

فهذا الحديث يتبادر إلى ذهن الناظر فيه أول وهلة أنه حديث صحيح، إلا أنه بعد البحث تبين أن معمر بن راشد - وهو ثقة - قد شذ في هذا الحديث فقوله: ((إنما اصطدته لك) وقوله: ((ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له)). جملتان شاذتان شذ بهما معمر بن راشد عن بقية الرواة.

قال ابن خزيمة: ((هذه الزيادة: ((إنما اصطدته لك) وقوله: ((ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته لك))، لا أعلم أحداً ذكره في خبر أبي قتادة غير معمر في هذا الإسناد، فإن صحت هذه اللفظة فيشبه أن يكون - صلى الله عليه وسلم - أكل من لحم ذلك الحمار قبل [أن] (٢) يعلمه أبو قتادة أنه اصطاده من أجله، فلما أعلمه أبو قتادة أنه اصطاده من أجله امتنع من أكله بعد إعلامه إياه أنه اصطاده من أجله؛ لأنه قد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قد أكل من لحم ذلك الحمار)) (٣).

هكذا جزم الحافظ ابن خزيمة بتفرد معمر بن راشد بهاتين اللفظتين، وهو مصيب في هذا، إلا أنه لا داعي للتأويل الأخير لجزمنا بعدم صحة هاتين اللفظتين - كما سيأتي التدليل عليه -.

وقال أبو بكر بن زياد النيسابوري (٤) - شيخ الدارقطني -: ((قوله: "اصطدته لك"، وقوله: "ولم يأكل منه"، لا أعلم أحداً ذكره في هذا الحديث غير معمر)) (٥).

وقال البيهقي: ((هذه لفظة غريبة لم نكتبها إلا من هذا الوجه، وقد روينا عن أبي


(١) رواه عن معمر عبد الرزاق في مصنفه (٨٣٣٧)، ومن طريقه أخرجه الإمام أحمد في المسند ٥/ ٣٠٤، وابن ماجه (٣٠٩٣)، وابن خزيمة (٢٦٤٢)، والدارقطني في السنن ٢/ ٢٩١، والبيهقي في السنن الكبرى ٥/ ١٩٠.
(٢) زيادة مني يقتضيها السياق.
(٣) صحيح ابن خزيمة ٤/ ١٨١ عقيب (٢٦٤٢)، قال ابن حجر - معلقاً على كلام ابن خزيمة في أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل من اللحم قبل علمه بأنه قد صيد له: ((فيه نظر؛ لأنه لو كان حراماً ما أقر النبي - صلى الله عليه وسلم - على الأكل منه إلى أن أعلمه أبو قتادة بأنه صاده لأجله)) فتح الباري ٤/ ٣٠، وانظر: التلخيص الحبير ٢/ ٢٩٧ ط شعبان، ٢/ ٥٨٧ - ٥٨٨ ط العلمية.
(٤) هو: الإمام الحافظ، أبو بكر: عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل النيسابوري، صاحب التصانيف المتقنة مِنْهَا " زيادات كتاب المزني "، مات سنة (٣٢٤ هـ‍).
المنتظم ٦/ ٢٨٦ - ٢٨٧، وسير أعلام النبلاء ١٥/ ٦٥، ومرآة الجنان ٢/ ٢١٧.
(٥) سنن الدارقطني ٢/ ٢٩١، وهو في سنن البيهقي ٥/ ١٩٠ إذ إنه أخرجه من طريق الدارقطني.

<<  <   >  >>