يُعتَمد عليهم في الغريب وفى الإعراب وفى التصريف، استطعتَ أن ترى بداهة أن هذيلا كانت أُولى القبائل الّتى يُقتدى بها في فصاحة اللسان، وسَعَةِ البيان.
فلئن سبقت قريش بأنّها كانت أجوَدَ العرب انتقاء للأفصح من الألفاظ وأسهلها على اللسان عند النطق، وأحسنها مسموعا، لقد جاءت هذيل لاحقةً بها فى هذا المضمار أو تكاد، ولا عجب، فهي تمتّ إلى قريش بالنَّسب وبالصِّهر وبالجِوار.
فالهذليّون -على ما يحقّقه أبو حزم الأندلسىّ فى كتابه (جمهرة أنساب العرب) - هم بنو هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار.
وإذا كانت قريش تسكن مكّة، فقد كانت هذيل تسكن حولها أو قريبا منها. فلا جرَم أن يكون القرشيّون والهذليّون فى الفصاحة قُسَماء، كما كانوا في الجوار والدماء أقرباء.
لقد أعرقتْ هذيل فى الشعر خاصّة، حتى كان الرجل منهم ربمّا أنجب عشرةً من البنين كلّهم شعراء.
قال صاحب الأغانى: كان بنو مُرّة عشرة: أبو خراش وأبو جندب وعروة والأتج والأسود وأبو الأسود وعمرو وزهير وجُنَادة وسفيان، وكانوا جميعا شعراء دُهاة.
ويقول الأصمعىّ: إذا فاتك الهذلىّ أن يكون شاعرا أو راميا فلا خير فيه. فانظر إلي أىّ حدّ بلغتْ هذه القبيلة من شهرة بالشعر وتجلّة لدى الثقات ومنزلةٍ عند الرواة.
حقّا إن قيام "دار الكتب المصرية" بطبع هذا الديوان لا يعدّ عملا أدبيا فحسب، ولكنّه عملُ مُجْدٍ نبيل. وهكذا قيّض الله لهذه الدار أن تُخرِج من الشعراء الهذليين أكبر عدد عُرِف حتى الآن.