للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الترجيح:

بعد عرض قولي العلماء في هذه المسألة يتبيَّن لي -والله أعلم- أن القول الأول هو الراجح وهو: أن من وجد الماء في أثناء الصلاة التي شرع فيها بالتيمم، فإنه يقطعها ثم يتوضأ أو يغتسل ويستأنف صلاته، وذلك لعدة أسباب:

الأول: قوة أدلة هذا القول وقياسهم الصحيح على المعتدة بالشهور ولا يبقى عليها إلا أقلها ثم تحيض فإنها تستقبل عدتها بالحيض، فكذلك المتيمم إذا صلى فيه ثم طرأ عليه الماء وهو في الصلاة فإن صلاته تبطل ويخرج منها ليتوضأ أو يغتسل ثم يستأنف صلاته فإن هذا القياس قوي صحيح، وكذلك القياس على المستحاضة إذا انقطع دمها، وفي المقابل نجد أن أدلة القول الثاني لا ترتقي إلى قوة أدلة القول الأول، فقياسهم مسألتنا على من وجب عليه الصوم في ظهار أو قتل فصام منه أكثره ثم وجد الرقبة أنه لا يلغي صومه ولا يعود إلى الرقبة فإن هذا القياس مع الفارق؛ لأن مدة الصيام تطول فيشق الخروج منه لما فيه من الجمع بين فرضين شاقين بخلاف الخروج من الصلاة فإنه أمر يسير.

ثانياً: أن وجود الماء مبطل للتيمم، وإذا كان وجوده مبطلاً للتيمم فالأولى أن لا نفرق بين وجوده في الصلاة وفي غيرها لأنه لا يوجد شيء ينقض الوضوء مثلاً خارج الصلاة ولا ينقض الوضوء في أثناء الصلاة، فالناقض للوضوء ناقض سواءً حدث في الصلاة أو خارجها، ويقال في التيمم ما يقال في الوضوء، فما كان ينقض التيمم خارج الصلاة فهو ينقض التيمم داخل الصلاة، وإذا كان وجود الماء مبطلاً للتيمم قبل الصلاة فهو مبطل للتيمم في أثناء الصلاة كذلك.

الثالث: أن القول ببطلان الصلاة إذا وجد الماء في أثنائها لمن صلَّاها بتيمم فيه خروج من الخلاف، والخروج من الخلاف مستحب، وفيه أيضاً احتياط فهو أولى، ولذلك قال النووي وهو شافعي المذهب: "وقول أكثر الأصحاب أنه يستحب الخروج منها والوضوء للخروج من خلاف العلماء في بطلانها" (١). أ. هـ.


(١) المجموع (٢/ ٣١٢)، اختيارات ابن عبد البر في العبادات (ص ٢٤٣).

<<  <   >  >>